بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الأمريكي .. هذا هو أسامة
هذه الرسالة أوصلها لي بعض الإخوة ، وقالوا بأن أمريكياً كتبها في إحدى المنتديات الحوارية ، وقد تناقلها الإخوة حتى وصلت إليّ ، وأرادوا أن أجيب هذا الأمريكي على تساؤله ، فترددت في بداية الأمر ، ولكن الإخوة أخبروني بأن الظاهر أنه طالب حق ، ونحن كمسلمين لا نمنع أحداً من سماع الحق ، فليرعنا هذا الأمريكي بصره وليقرأ هذه الكلمات القليلة المتواضعة في التعريف بأسامة ..
هذه هي الرسالة بلغتها التي وصلتني :
I’m an American, and I really don’t believe everything my government says. I was d by the way the media dealt with the death of Osama bin Ladin. I thought he was hated by the Muslims because of his ways; At least; that’s what the officials told us in our country. I realized, after his death, that he was loved by most of you! I want to know exactly what Osama meant to you as Muslims. I want to know the truth from you, and not from the media, because I simply don’t trust the media. Please be straightforward and honest. I really want to know the truth.
وهذه هي ترجمتها :
أنا أمريكي، وأنا لا أصدق ما تقوله حكومتي. لقد تحركت مشاعري للطريقة التي تعامل بها الإعلام لموت أسامة بن لادن. كنت أعتقد بأنه مكروه من قبل المسلمين بسبب طُرقه. على الأقل: هذا ما قالته لنا حكومتنا في أمريكا. لقد أدركت – بعد موته – أنه كان محبوباً من قبل أكثركم. أريد أن أعرف بالضبط ما يعنيه أسامة لكم كونكم مسلمين. أريد أن أعرف الحقيقة منكم، وليس من الإعلام. أرجو أن تكونوا صريحين ومخلصين. أريد فعلاً معرفة الحقيقة.
وهذا جوابه ..
أيها الأمريكي .. سأحدثك اليوم عن رجل قصته أشبه بالأساطير .. وهو فعلاً أسطورة .. أسطورة رآها العالم أجمع ..
اسمه أسامة ، واسم أبيه محمد ، واسم جده عوض ، فهو : اسامة بن محمد بن عوض بن لادن .. أبوه محمد أتى من اليمن ، واليمن – إن لم تكن تعرف – هي من أقدم بلاد الأرض ومن أعرق حضاراتها ، وهم أصل العرب .. خرج الشاب محمد بن لادن من اليمن ليعمل حمّالاً في ميناء جدّة غرب جزيرة العرب ، وسرعان ما تحوّل هذا الفتى العصاميّ إلى أكبر مقاول في جزيرة العرب ، واشتهر فيها بنزاهته وصدقه ومثابرته ، وكوّن علاقات قوية مع الأسرة الحاكمة فيها ..
لا أدري – أيها الأمريكي – كم تعرف عن الإسلام ، ولكني أخبرك بأن للمسلمين ثلاثة مساجد مقدّسة ، وهي : المسجد الحرام في مكّة ، ومسجد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة ، والمسجد الأقصى بقدس فلسطين ، وليس للمسلمين أماكن مقدّسة غيره هذه ، وقد رتّبتها لك بناء على أهميتها وعظمتها عن المسلمين .. لعلك تعرف الكعبة : ذلك البناء المكعّب المكسوّ بالسواد في مكّة ، لو نظرت إلى حول هذا البناء المتواضع الذي بناه إبراهيم عليه السلام مع ابنه البكر إسماعيل ، فإن البناء الضخم حوله بناه والد أسامة "محمد" ، ولو بحثت عن صور لمسجد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة ورأيت ذلك البناء الجميل الشامخ ، فهذا البناء تشرّف بعمله والد أسامة "محمد" ، ولما أحرق اليهود المسجد الأقصى في فلسطين – قبل عقود – جرت مناقصة بيت العرب لإعادة ترميم المسجد ، فنال شرف ترميمه والد أسامة "محمد" ..
أخبرتك بأن والد أسامة من اليمن ، ولم أخبرك بأن والدته من الشام ، فهو ابن اليمن والشام ، وهاتين البقعتين من أعرق الحضارات في العالم ، فأسامة ابن الحضارة والتأريخ ، ولكنه وُلد في الحجاز ، والحجاز مهبط الوحي على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، فهنا امتزجت الحضارة بالتأريخ بالعقيدة لتنسج مزيجاً هو روح أسامة ..
لقد عظم شأن والد أسامة وأعماله لدرجة أنه أعطى ملك جزيرة العرب راتب موظفي الدولة لمدّة ستة أشهر ، وذلك بعد أن أصابت الدولة ضائقة ماليّة شديدة ، فكانت له حضوة كبيرة ومكانة عالية بين أمراء وملوك جزيرة العرب ، ومن هذا البيت ، ومن هذه العائلة ، ومن هذا العز والجاه ، ومن هذه الحضارة وهذا التأريخ : كان أسامة ..
نشأ أسامة في بيئة صالحة صارمة ، فأبوه – رغم أمواله وجاهه – حرص أشد الحرص على تربية أبنائه على الجد والإجتهاد والمثابرة ، فنشأ أسامة متديناً جادّاً محباً للعمل ، ولم يكن كغيره من أبناء الأغنياء الذين أفسدتهم الثروة والجاه والحضوة ..
في فترة شبابه المبكّر ، حصل تحوّل كبير في حياته ، فقد دخلت القوات السوفييتية الشيوعية أرض أفغانستان المسلمة ، وأخذت الأخبار تصل إلى أرض الحرمين – غرب جزيرة العرب – وكان أسامة – لطبيعته الجادة المتديّنة – يتابع هذه الأخبار كغيره من الشباب ، ولكنه لم يكن مثلهم ، فأسامة رجل إيجابي لا يكتفي بمجرّد المتابعة ، فأخذ يتردد على باكستان المجاورة لأفغانستان ، حتى قرر أخيراً دخول أفغانستان سنة 1982م ، أي قبل (29) سنة ، وكان عمره آن ذاك (25) سنة ، فجاهد مع المجاهدين الأفغان ضد السوفييت حتى انتصروا عليهم وطردوا السوفييت من أفغانستان ، ونتيجة لهذه الهزيمة التأريخية للسوفييت تحولت دولتهم إلى روسيا وانفصلت عنها كثير من الدول ..
كانت هذه هي المحطة الأولى في حياة هذا الشاب الرجل .. ثم حصل أمر جليل خطير غيّر وجه العالم ، وهو دخول القوات الأمريكية إلى أرض جزيرة العرب (سنة 1991م) التي فيها أقدس مقدسات المسلمين ، وكان هذا بعد أن دخل صدام حسين الكويت سنة (1990م) ، وقد كان أسامة يحذّر حكام دول الجزيرة العربية من نوايا صدام حسين قبل هذه السنة ، ولكنهم لم يسمعوا له ، ثم بعد دخول صدام الكويت عرض أسامة على أمراء جزيرة العرب أن يطرد هو - والمجاهدين الذين معه - صدام من الكويت ، ولكن هؤلاء الأمراء آثروا أن تدخل جيوش أمريكا وحلفائها جزيرة العرب ومهبط الوحي ، وكان حدس أسامة صحيحاً حينما قال للناس بأن هذه الجيوش أتت لتبقى ..
هذه الحادثة هي اللحظة التأريخية الحقيقية التي غيّرت مجرى الأحداث في الأرض .. لأوّل مرّة في التأريخ يدخل جيش غير إسلامي أرض الحرمين ، وهذا الجيش قوامه نصف مليون رجل بكامل عدتهم وعتادهم ، ولأول مرّة في التأريخ يسمح أمراء جزيرة العرب بدخول جيوش غير مسلمة أرض الوحي وجزيرة محمد صلى الله عليه وسلم .. لقد أصبتَ أيها الأمريكي حينما قلتَ بأنك لا تصدّق حكومتك ، فقد قالوا للعالم بأن أحداث سبتمبر هي لحظة التحول التأريخي، ولكن الحقيقة أن أحداث سبتمبر هي ردة فعل بسيط لهذا الحدث الكبير الذي جعل جزيرة العرب تحت احتلال جيش غير مسلم ..
بعد أن غادر السوفييت أفغانستان (سنة 1989م) ، حدثت مناوشات بين الأفغان أنفسهم ، فآثر أسامة أن لا يشارك في هذه الحرب الأهلية ، فقصد السودان ، وعمل في العمل الخيري والسياسي ، ولكن الحكومة الأمريكية لم يعجبها وجود أسامة في السودان ، فضغطت على حكومتها لكي تُخرج أسامة من السودان ، فلما أحس أسامة بأنه غير مرغوب فيه في السودان ، رجع إلى أفغانستان ، وتجمّع حوله رفقاء دربه من المجاهدين ، وانتظروا حتى قامت حركة طالبان وأخذت المدن الأفغانية تسلّم لها ، ورأى أسامة صدق هؤلاء الطلبة وعزيمتهم على الإصلاح فدخل معهم في تحالف تأريخي ، وحارب معهم بقية الفصائل الأفغانية حتى وحّدوا أكثر أفغانستان ، وأصبح أسامة صديقاً قريباً وحميماً لقادة طالبان وأميرهم الملا عمر ..
كان العالم الإسلامي كله غاضباً على دخول أمريكا لأرض العرب ، فهذه الأرض لها خصوصية ليست لأي بقعة في الكرة الأرضية ، وكان لتدخل أمريكا في العراق وقتلها أكثر من مليون ونصف عراقي – منهم نصف مليون طفل – ومساعدة أمريكا لليهود في فلسطين بالمال والسلاح أبلغ الأثر في أسامة ورفاقه الذين خرجوا لتحرير أفغانستان من السوفييت فوجدوا أمريكا تحاربهم في الخفاء ثم أعلنت الحرب عليهم ، ووجدوا أنها وراء أكثر مصائب المسلمين ، فأعلن أسامة بأن على أمريكا أن تخرج من أرض العرب ..
عملت أمريكا على مطاردة المجاهدين في كل مكان ، وكانت تأمر الدول العربية بالقبض على العائدين من أفغانستان وإيداعهم السجون وتعذيبهم أشد التعذيب ، وقامت حروب بين المسلمين وغيرهم في البوسنة والهرسك ، وفي الشيشان ، وكوسوفو ، والسودان ، والصومال ، والفلبين ، والصين ، وكشمير ، وكان المسلمون يُضطهدون في هذه البلاد وغيرها ، فكان أسامة يساعد كل هؤلاء المسلمين ويمدهم بالرجال والأموال ليتحرروا من الظلم والطغيان ، فذاع صيته وعرفه جميع المسلمين ..
أدرك أسامة ومن معه بأن أمريكا هي سبب أكثر مصائب المسلمين بسبب دعمها للأنظمة الدكتاتورية في البلاد الإسلامية ، وبسبب إفسادها للمسؤولين ومنعها الدول الإسلامية من التقدم والتطور ، وكانت جريمة أمريكا الكبرى أنها تبنّت العصابات اليهودية في فلسطين : فأمدّتهم بالأموال والأسلحة المتطورة لقتل المسلمين فيها ، وفلسطين – مثل جزيرة العرب – لها خصوصية كبيرة عند المسلمين ..
لقد كان العرب يعيشون في فلسطين قبل أن يولد إبراهيم عليه السلام ، ولعلك تعرف - من كتابكم الذي تقدسونه - بأن إبراهيم هاجر من العراق إلى فلسطين ، وكان العرب هناك قبله ، ثم وُلد لإبراهيم إسماعيل وإسحاق ، ولإسحاق يعقوب ، ويعقوب هذا هو "إسرائيل" على أنبياء الله جميعا الصلاة والسلام .. هاجر يعقوب عليه السلام إلى مصر ومكثت ذريته فيها أربعمائة سنة ، ثم خرجوا منها بقيادة موسى عليه السلام إلى أرض التيه في سيناء فمكثوا فيها أربعين سنة ، ثم دخل بنو إسرائيل أرض فلسطين وهزموا العرب ، ونحن كمسلمين نعتقد بأن بنو إسرائيل في ذلك الزمان كانوا أولى بأرض فلسطين المباركة من العرب ، لأن العرب كانوا وثنيين ، وبنو إسرائيل كانوا يؤمنون بالله الخالق ..
بقي بنو إسرائيل في فلسطين لعدة قرون ، ثم بُعث عيسى بن مريم عليه السلام ، واليهود كفروا به ، وأذاقوا أتباعه سوء العذاب ، ثمّ قدّر الله أن يسلب اتباع عيسى عليه السلام أرض فلسطين من اليهود لأن اليهود تركوا دين موسى ولم يؤمنوا بعيسى عليهما السلام .. وبقيت فلسطين تحت حكم أتباع عيسى عليه السلام - الذين ما لبثوا أن حرّفوا وبدّلوا شريعته - إلى أن جاء العرب أتباع محمد صلى الله عليه وسلم واسترجعوا فلسطين من الرومان فكانت تحت حكم المسلمين لثلاثة عشر قرناً من الزمان .. ولما أن ابتعد المسلمون عن دينهم وعن تعاليم نبيّهم ، سلّط الله عليهم الإحتلال البريطاني الفرنسي ، فأخذت بريطانيا فلسطين ، ولكن المسلمين لم يراجعوا أنفسهم أو يرجعوا إلى دينهم ، فكان عقاب الله تعالى عليهم أن سلّط على الأرض المباركة أبغض الناس لهم وأشدهم عداوة للمسلمين : اليهود ..
إن أرض فلسطين لم تخرج من أيدي المسلمين إلا لأنهم ابتعدوا عن تعاليم دينهم ، وهذا ما أدركه عقلاء المسلمين فأخذوا ينادون الناس بالرجوع إلى الدين لتحرير فلسطين ، ومات في سبيل هذه الدعوة الكثير من علماء المسلمين ، وكان أسامة بن لادن من هؤلاء الذين دعوا إلى الرجوع إلى التعاليم الأصلية للديانة الإسلامية حتى ترجع فلسطين مرة أخرى للمسلمين ..
هذه المقدمة التأريخية ضرورية لمعرفة عقيدة أسامة وفكره ومنهجه ، ولا أدري – أيها الأمريكي – إن كنت متابعاً لأخبار أسامة ، ولكنني أذكّرك بقسمه التأريخي بعد أحداث سبتمبر حين قال "أقسم بالله العظيم الذي رفع السماء بلا عمد : لن تحلم أمريكا ولا من يعيش في أمريكا بالأمن قبل أن نعيشه واقعاً في فلسطين ، وقبل أن تخرج جميع الجيوش الكافرة من أرض محمد صلى الله عليه وسلم" ، ومن عرف تأريخ أسامة ، علم أنه عاش بعدها لتحقيق هذا القسم ..
لقد قالوا لك بأن اسامة إرهابي ، وهذا لا نُنكره ، ولكن ما نُنكره هو معنى الإرهاب الذي لم يُبيّنوه بعد !! لقد حاربت أمريكا : اليابان والألمان والسوفييت ، فتخيّل معي لو أن اليابان احتلّت كاليفورنيا وواشنطن سياتل وأريزونا ، ماذا كنت تفعل !! ولو أن ألمانيا احتلت واشنطن دي سي وفلوريدا ، أو احتلّ السوفييت جورجيا ونيويورك وفرجينيا ، هل كنت تجلس في بيتك وتنتظر أن يخرجوا متى شاؤوا !! ماذا لو قام بعض الأمريكان بمقاومة اليابان المحتلة أو ألمانيا الهتلريّة المحتلة أو السوفييت المحتلّة !! هل مَن يقاتلهم مِن الأمريكان يسمى إرهابي !! ماذا لو قام بعض الأمريكان بتفجيرات داخل اليابان أو المانيا أو السوفييت إبان هذا الإحتلال !! هل يكون هذا من الإرهاب !!
نحن لا نُنكر أن أسامة إرهابي ، هو فعلاً أرهب أعداءه ، ولكن السؤوال هنا : لماذا أصبح أسامة إرهابي !! لعلي أُحدّثك عن شخصية أسامة قليلاً .. هو رجل هادئ الطباع ، قليل الكلام ، قليل الضحك ، شديد الحياء ، سخيّ كريم ، متواضع إلى أبعد الحدود ، ورغم ثروته وأمواله إلا أنه كان يعيش كما يعيش الفقراء ، ويأكل كما يأكك الفقراء ، ويفترش كما يفترش الفقراء ، إذا كلّمته فإنه يصغي لك ويعطيك انتباهه حتى يتخيل لك بأنك صديقه الأوحد في الدنيا ، رقيق المشاعر ، يحب الشعر والأدب والقراءة ، ويعشق ركوب الخيل ، كل من يجالسه يحبه ولو كان عدوّه لأدبه واحترامه للآخرين ، وهو مع هذا كله : ذكيّ ورث الذكاء من أعمامه وأخواله ، شجاع ورث الشجاعة من أصل حضارته ، مؤمن ورث الإيمان من مكان مولده ..
هذه بعض صفات أسامة ، وليس فيها من المباغلة قيد أنملة ، ويشهد على هذه الصفات كل من رآه وعاشره أو التقاه .. فتعال الآن نفهم : كيف لمن كانت هذه صفاته أن يكون إرهابياً !!
كما قلت لك : أسامة وُلد في جزيرة العرب ، وأهل هذه الجزيرة من أكثر الناس عشقاً للحريّة ، ولا توجد أمة على وجه الأرض تعشق الحرية مثل هذه الأمة ، ولذلك فأهل جزيرة العرب آثروا العيش في صحرائها لعشرات القرون على أن يهاجروا إلى المدن القريبة المتحضرة ، وذلك أنهم لا يحبون أن يكونوا منقادين تحت حكم ملك أو امبراطور . وقد عاشوا أحراراً لقرون طويلة في أرض ليس فيها ماء ولا شجر ولا حيوان إلا ما ندر ، وبسبب هذه البيئة الصعبة القاسية : تولّد عند أهل هذه الجزيرة نوع من الأنفة والكبرياء والإباء ، فلا يرضى أهلها أن يُستعبدوا ولا أن يُحكموا ، ولا أن يُسيَّسوا ، ولم يحكمهم في تأريخهم ملك ولا أمير إلى بعد أن بُعث فيهم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فحكمهم بالدين ، ولولا الدين لما استطاع أحد أن يحكمهم ، فلم يخضع أهل هذه الجزيرة لسلطان غير سلطان الله تعالى ..
هذه الخلفيّة ضرورية لفهم شدة حنق أهل الجزيرة عامة - وأسامة خاصة - على الجيوش الأمريكية التي دنّست جزيرتهم واحتلّت بلادهم .
أسامة – أيها الأمريكي - أعلن الحرب على دولتك لأسباب رئيسة :
السبب الأول : تبنيها الدولة اليهودية المجرمة في فلسطين .
السبب الثاني : احتلالها جزيرة العرب ومهبط الوحي الإسلامي .
السبب الثالث : محاربتها المسلمين في كثير من بلاد الإسلام .
السبب الرابع : دعمها الأنظمة الدكتاتورية في البلاد الإسلامية .
السبب الخامس : محاربتها الإسلام ذاته ومحاولتها نشر مفاهيم مخالفة لها في بلاد الإسلام ومحاولتها إفساد أخلاق وقيم المسلمين .
السبب السادس: الحكومات الأمريكية المتعاقبة كانت السبب في مقتل قرابة العشرة ملايين مسلم خلال الثلاثين سنة الماضية.
هذه هي الأسباب التي جعلت هذا الرجل الحييّ المتواضع الرقيق الهادئ ينقلب إلى إرهابي كبير خطير ، وإلى رجل حرب ومقاوم من الطراز الفريد .. وأي سبب من هذه الأسباب كفيل بأن يقلب حياة أي رجل يملك ذرة من الكرامة ، فكيف بالأسباب مُجتمعة ..
ليس الأمر كما قيل لك في الإعلام ، فالحقيقة أن أكثر المسلمين في الأرض يُبغضون الحكومات الأمريكية ، ويُبغضون سياساتها ، ويلعنونها صباح مساء ، وما ترى في الإعلام من تأييد للحكومات الأمريكية في الدول العربية فهو إما مُفبرك ، أو أنه من قِبل عملاء خونة لشعوبهم ، فهؤلاء لا يُمثلون المسلمين ، وهم في الغالب ليسوا مسلمين ، ففي بلاد الإسلام بعض من اللادينيين والإنتهازيين والوصوليين ، كما هو الحال عندكم في أمريكا ، وغن بصورة أكبر ، وهؤلاء يملكون الإعلام والمال والسلطة ، ولم يملكوها إلا بمساندة الحكومات الأمريكية ..
تسأل عن حقيقة ما يعنيه أسامة بالنسبة لنا ، فأقول لك نيابة عن أكثر المسلمين في الأرض :
إن أسامة يمثّل حضارة الإنسانية القديمة الممتزجة بعظمة الإسلام ، وأسامة ضمير المسلمين الحي ، وروح الحريّة تُبعث في الأمة الإسلامية من جديد ..
أسامة – أيها الأمريكي – هو نموذج الحق المقارع للظلم على مر التأريخ .. أسامة – أيها الأمريكي – رجل جمع الفضائل السياسية وسخّرها لخدمة قضايا المسلمين العادلة ، فهو كجورج واشنطن الذي جمع أمريكا وقاد حرب استقلالها ضد بريطانيا ، وهو كلينكون الذي حرر عبيد أمريكا ووحد الولايات الشمالية مع الجنوبية ، وهو كمارتن لوثر الذي حارب من أجل حريات الزنوج في أمريكا ..
ولكن أسامة يختلف عن هؤلاء بكونه مسلماً يقاتل ويناضل من أجل عقيدته ودينه ، ويختلف عنهم بكون حربه عالمية وليست قومية أو عنصرية ضيقة أو قُطرية ، ويختلف عنهم بكون أعدائه : جميع حكومات الأرض الظالمة لشعوبها أو لشعوب غيرها ، فلو نظرت إلى من حارب أسامة لرأيت كيف اجتمعت عليه حكومات عُرف عنها ظلمها للشعوب وسرقتها لموارد الأمم ، فأسامة فضح هؤلاء الظالمين وأراد أن يقوم الناس للمطالبة بحقوقهم ، وهذا ما جعل أكثر حكومات الأرض تطارده وتحاول إسكات صوته حتى يبقى الناس في سباتهم ويتفرغوا هم لظلمهم وطغيانهم وسرقتهم لموارد الشعوب ..
أسامة – أيها الأمريكي - : قضى حياته من أجل توحيد المسلمين ، ومن أجل تحريرهم من ربقة عبودية السلطات الجاثمة على رقابهم ، تلك السلطات الصديقة للحكومات الأمريكية المتعاقبة .. أسامة حارب من أجل كرامة المسلمين ودينهم .. أسامة – أيها الأمريكي – هو مثال للصدق والنزاهة والغيرة الحقة على القيم الإنسانية ، هذا الصدق الذي تعْلم أنت – كما يعلم غيرك من الأمريكان – بأنه معدوم عند ساسة البيت الأبيض ، وعند حكومات الشرق والغرب في هذه الأرض ..
أسامة – أيها الأمريكي – كان آخر شيء جميل يمضي من على وجه هذه الأرض .. أقول جميل لأن حكومات الأرض قلبت الحقائق ، وزيّنت الأكاذيب ، وجعلت السياسة مكر وخبث ومكاسب شخصية ، بينما أسامة أرجع السياسة إلى معناها الأصلي والحقيقي عند العارفين والعقلاء ، فالسياسة عنده : جلب الحق لمستحقيه ، والصدق ، والأمانة ، والنزاهة ، والحرية ، والكرامة ، والإيثار ، والزهد في أموال الناس ، وبذل النفس في سبيل تحقيق مصالحهم .. لعلّك – أيها الأمريكي – لا تعرف معاني أكثر هذه الكلمات ، ولا نلومك ، فأنت تعيش في بيئة ليس فيها إلا حب النفس والأنانية والزيف والإستعباد الخفي باسم الرأسمالية ، والظلم المقنن باسم الديمقراطية ..
لا أدري ما هو مستوى ثقافتك ، ولا أدري إن كنت تفهم أكثر ما كتبت ، ولكنني لا أستطيع أن أكتب عن أسامة إلا بهذه المعاني الراقية ، لأنه إنسان راقٍ عاش في زمن انحطاط المفاهيم السامية ، فهو من عصر الفرسان النبلاء ، ومن عصر المحاربين الشرفاء ، ومن عصر أمراء الوفاء ..
أسامة - أيها الأمريكي – هو كل القيم التي تحاربها حكومتك في الأرض .. هو كل المُثل التي تتدعيها حكومتك المُفلسة من المُثل .. أسامة هو الأخلاق التي يدعيها رؤساء بلادك الذين لا يلبث أحدهم أن يُعرّى منها ويُفضح على الملأ .. أسامة هو النّبل الذي تقرأ عنه في كتب التأريخ ..
ماذا يعني أسامة بالنسبة للمسلمين !!
أسامة – أيها الأمريكي – هو مجموع ملايين الناس الذين ماتوا من أجل توفير حياة أفضل لغيرهم ، فجادوا بأغلى ما يملكون ليحضى مَن بعدهم بأفضل ما يستحقون .. أسامة – أيها الأمريكي – هو روح هذه الأمة ونبضها الحي تجسّد في جسم طويل نحيل ..
أسامة – أيها الأمريكي – هو صوت الحق في زمن التزييف ، وصوت الكرامة في زمن الهوان ، وصوت الشموخ في زمن الإمتهان .. أسامة هو ذاكرة الإنسان في زمن النسيان .. أسامة هو قلب نابض في زمن الموت السريري لبني الإنسان ..
إن للأسماء معانٍ في كل تراث بشري ، ومعنى أسامة في تراثنا العربي : "الأسد" ، فذلك القسم التأريخي الذي دوى في أرجاء الأرض ما كان إلا زئيراً لهذا الأسد الذي رجع بعدها لعرينه في كهوف تورا بورا وجبال سليمان والهندكوش يتربّص بفريسته ، ولعلك تعرف بأن الأسد لا يزأر كثيراً ، ولا يُخرج الكثير من الأصوات قبل الإنقضاض على فريسته ، وكذلك كان أسامة ، وكانت كلمته القليلة ، وخطبه النادرة ..
أسامة – أيها الأمريكي – هو "أسد الإسلام" الذي استنكف أن تطأ الفئران جسده ، فكان إذا رمقها تفرّ منه لا تلوي على شيء .. كان اسم أسامة يكفي لإرهاب كل ابن آوى أو ذئب يريد أن ينهش أجساد الضعفاء من بني البشر ..
أيها الأمريكي : أبلغ عني من خلفك من بني قومك بأن أسامة حي في قلب كل مسلم حر ، وأن قسمه التأريخي محفور في وجدان المسلمين ، وأن الأمان أبعد ما يكون عن الأمريكان الآن ، وأن أيامهم القادمة ستكون حاسمة في تأريخ بلادهم لأن أبناء أسامة وإخوانه قرروا أن يُنهوا تأريخ أمريكا إلى الأبد ..
لعلّك أيها الأمريكي تعجب من هذا القول وأنت ما سألتَ إلا للمعرفة ، وأنت تعلم بأن دولتك تملك من أسباب القوة المادية ما يجعلها المهيمنة على الأرض ، ولكنك – أيها الأمريكي – لا تعرف حقيقة العقيدة إذا خالجت صدور المؤمنين ، فالقتال ليس هو السلاح ، وليس هو العتاد ، بل الذي يوجّه دفة النصر هو : قلوب الرجال ..
أسامة – أيها الأمريكي – يمثّل قوة الإسلام التي حكمت الأرض لأكثر من ألف ومائتي سنة ، ولم تكن فيها أمريكا معروفة للعالم القديم ، ولم تُكتشف أمريكا إلا بعد أن اطّلع كولومبس على خرائط رسمها علماء المسلمين في الأندلس وإيطاليا ، فوجودك في أمريكا هو بسبب بعض علوم المسلمين القديمة التي كانت سبب نهضة أوروبا وأمريكا ، تلك النهضة التي بدأت بتزييف حقيقة كونها مستقاة من حضارة الإسلام ..
أسامة – أيها الأمريكي – جاء ليُذكّر المسلمين بحضارتهم ، ويُذكّرهم بأمجاهدهم ، ويّذكّرهم بتأريخهم ، وليقول لهم : ارجعوا إلى دينكم لتتبوؤوا مكانتكم الحقيقية بين أمم الأرض ، فأمة الإسلام لم تُخلق إلا لتقود البشريّة ، ولم توجد إلا لتكون ظاهرة على سائر الأمم ، وقد قرر الله تعالى في كتابه الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة بأوضح صورة وأجلها فقال {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} قالها بهذه الصيغة الواضحة في ثلاثة مواضع من القرآن تأكيداً لهذه الحقيقة الخالدة ..
أسامة – أيها الأمريكي – هو نقطة التحوّل الجديدة في تأريخ الأرض ، فقد أيقظ أسامة ضمير الإسلام في قلوب المسلمين بعد طول رقاد ، ورسم بدمه لوحة مجد كادت تُمحى من حياة المسلمين .. أتدري – أيها الأمريكي – أن المسلمين لم يقبلوا العزاء في أسامة !! لعلّك – أيها الأمريكي – تعجب إذا قلت لك بأن المسلمين في كثير من بلاد الأرض هنّؤوا بعضهم البعض بمقتل أسامة ، وأن بعضهم وزّع الحلوى بين الناس !! أتعرف معنى أن يوزّع الناس الحلوى لمقتل أقرب الناس إلى قلوبهم !!
لو كان الأمر بيدي لفديت أسامة بنفسي وجميع أبنائي حتى يبقى حياً بيننا ، ولكنني إلى الآن لم أذرف دمعة على أسامة ، وإن بكيت فإني أبكي على نفسي التي لم تلقَ ما لقي أسامة .. كثير من الناس يتكلمون عن قضاياهم وحقوقهم ، ولكن قليل من الناس من يكونون على استعداد للموت دون هذه الحقوق ، وأسامة – أيها الأمريكي – لم يكن على استعداد للموت فقط ، بل كان يتمنّاه في كل وقت ، لأن الموت في سبيل العقيدة هو أعظم ما يتمنى المؤمن الصادق في إيمانه ..
لعلي أطلت عليك الكلام ، ولكنني لم أذكر إلا القليل القليل عن أسامة وما يعني أسامة بالنسبة للمسلمين ، ولو أعلم أنك لا تمل لجعلتك تقرأ الأيام المتواصلة عن أسامة ومعنى أسامة وحقيقة أسامة .. ولعلي أجمل كل ما قلت في كلمات بسيطة معبّرة أدعوك للتفكّر فيها مليّاً :
الحضارة الحقّة والرُّقيّ الإنسانيّ تعني : أسامة ..
والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم ..
كتبه
فضيلة الشيخ حسين بن محمود
وبعد ان ترجم كلام الشيخ للرجل الامريكى وهو يقيم فى استراليا هذا رد الأمريكي الذي سأل السؤال، والذي بسببه كُتبت هذه المقالة:
The person that was meant by these words is alive and not dead. He will never die. I wish I was the one killed, and these words
((إن من كُتبت فيه هذه الكلمات حي وليس ميت ولا يمكن أن يموت. أتمنى أني أنا الميّت وأن هذه الكلمات كُتبَت فيّ))
الإخوة يقولون بأن هذا الأمريكي طلب بعض المواد الموثوقة عن الإسلام ليتعرف على ديننا. ويقولون بأنه إن شاء الله سيدخل في دين الحق. فاسألوا الله له الهداية.
وبعدها بيومين تقريبا جاءت البشرى
: الرجل الأمريكي أسلم ولله الحمد والمنة، وأسلمت معه زوجته، وغيّر اسمه إلى محمد، والإخوة قالوا بأنه يسكن في استراليا وليس أمريكا وهو أمريكي الأصل.
ومفاجأة أخرى: هو ينتظر مولوداً ذكرا، واختار اسم محمد ليسمي ابنه أسامة! وقال بأن سبب إسلامه هو أسامة ولذلك هو يريد أن يكون اسم ابنه مطابقاً لاسم الشيخ رحمه الله!
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
واخيرا وما يعلم جنود ربك إلا هو
سبحان الله كانت حياة الشيخ اسامة رحمه الله نصرا للاسلام وقتله ايضا نصرا للاسلام
نحسبه والله حسيبه ولا نزكيه على الله