صفاتهم وزهدهم
التواضع
ترامى الى سمع أبو عبيدة بن الجراح أحاديث الناس في الشام عنه ، وانبهارهم بأمير الأمراء ، فجمعهم وخطب فيهم قائلا
يا أيها الناس ، اني مسلم من قريش ، وما منكم من أحد أحمر ولا أسود ، يفضلني بتقوى الا وددت أني في اهابه !!) وعندما زار أمير المؤمنين عمر الشام سأل عن أخيه ، فقالوا له
من ؟) قال
أبوعبيدة بن الجراح ) وأتى أبوعبيدة وعانقه أمير المؤمنين ثم صحبه الى داره ، فلم يجد فيها من الأثاث شيئا ، الا سيفه وترسه ورحله ، فسأله عمر وهو يبتسم
ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس ؟) فأجاب أبوعبيدة
يا أمير المؤمنين ، هذا يبلغني المقيل )
**************
الزهد
وعن جُندب بن عبد الله البجلي قال : أتيت المدينة ابتغاء العلم ، فدخلت مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا الناس فيه حَلَقٌ يتحدّثون ، فجعلت أمضي الحَلَقَ حتى أتيتُ حلقةً فيها رجل شاحبٌ عليه ثوبان كأنّما قـدم من سفر فسمعته يقول
هلك أصحاب العُقدة ورب الكعبة ، ولا آسى عليهم ) أحسبه قال مراراً فجلست إليه فتحدّث بما قُضيَ له ثم قام ، فسألت عنه بعدما قام قلت
من هذا ؟) قالوا
هذا سيد المسلمين أبي بن كعب ) فتبعته حتى أتى منزله ، فإذا هو رثُّ المنزل رثُّ الهيئة ، فإذا هو رجل زاهد منقطعٌ يشبه أمره بعضه بعضاً
**************
لقد كان سعيد بن عامر صاحب عطاء وراتب كبير بحكم عمله و وظيفته ، ولكنه كان يأخذ ما يكفيه وزوجه ويوزع الباقي على البيوت الفقيرة ، وقد قيل له
توسع بهذا الفائض على أهلك وأصهارك ) فأجاب
ولماذا أهلي وأصهاري ؟ لا والله ما أنا ببائع رضا الله بقرابة ) كما كان يجيب سائله
ما أنا بالمتخلف عن الرعيل الأول ، بعد أن سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول
يجمع الله عز وجل الناس للحساب فيجيء فقراء المؤمنين يزفون كما تزف الحمام فيقال لهم : قفوا للحساب فيقولون : ما كان لنا شيء نحاسب عليه فيقول الله : صدق عبادي فيدخلون الجنة قبل الناس )
**************
هم سلمان الفارسي -رضي الله عنه- ببناء بيتا فسأل البناء
كيف ستبنيه ؟) وكان البناء ذكيا يعرف زهد سلمان وورعه فأجاب قائلا
لا تخف ، إنها بناية تستظل بها من الحر ، وتسكن فيها من البرد ، إذا وقفت فيها أصابت رأسك ، وإذا اضطجعت فيها أصابت رجلك ) فقال سلمان
نعم ، هكذا فاصنع )
**************
جاءت هدية لعبدالله بن عمر من أحد إخوانه القادمين من خُراسان حُلة ناعمة أنيقة وقال له
لقد جئتك بهذا الثوب من خراسان ، وإنه لتقر عيناي إذ أراك تنزع عنك ثيابك الخشنة هذه ، وترتدي هذا الثـوب الجميل ) قال له ابـن عمر
أرِنيه إذن ) ثم لمسه وقال
أحرير هذا ؟) قال صاحبه
لا ، إنه قطن ) وتملاه عبد الله قليلا ، ثم دفعه بيمينه وهو يقول
لا إني أخاف على نفسي ، أخاف أن يجعلني مختالا فخورا ، والله لا يحب كل مختال فخور )
**************
وأهداه يوما صديق وعا مملوءاً ، وسأله ابن عمر
ما هذا ؟) قال
هذا دواء عظيم جئتك به من العراق ) قال ابن عمر
وماذا يُطَبِّب هذا الدواء ؟) قال
يهضم الطعام ) فابتسم ابن عمر وقال لصاحبه
يهضم الطعام ؟ إني لم أشبع من طعام قط منذ أربعين عاما ) لقد كان عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- خائفا من أن يقال له يوم القيامة
أَذْهَبتم طيّباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها ) كما كان يقول عن نفسه
ما وضعت لَبِنَة على لَبِنَة ولا غرست نخلة منذ توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) ويقول ميمون بن مهران
دخلت على ابن عمر ، فقوّمت كل شيء في بيتـه من فراش ولحاف وبساط ، ومن كل شـيء فيه ، فما وجدتـه يساوي مائة درهم )
**************
الدعوة المجابة
عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال : قال عمر بن الخطاب
اخرجوا بنا إلى أرض قومنا ) قال : فخرجنا فكنت أنا وأبي بن كعب في مؤخَّر الناس ، فهاجت سحابة ، فقال أبيُّ
اللهم اصرف عنّا أذاها ) فلحقناهم وقد ابتلّت رحالهم ، فقال عمر
أمَا أصابكم الذي أصابنا ؟) قلت
إن أبا المنذر دعا الله عزّ وجلّ أن يصرف عنّا أذاها ) فقال عمر
ألا دعوتُمْ لنا معكم ؟!)
**************
كان سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-إذا رمى عدوا أصابه وإذا دعا الله دعاء أجابه ، وكان الصحابة يردون ذلك لدعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- له
اللهم سدد رميته ، وأجب دعوته ) ويروى أنه رأى رجلا يسب طلحة وعليا والزبير فنهاه فلم ينته فقال له
إذن أدعو عليك ) فقال الرجل
أراك تتهددني كأنك نبي !) فانصرف سعد وتوضأ وصلى ركعتين ثم رفع يديه قائلا
اللهم إن كنت تعلم أن هذا الرجل قد سب أقواما سبقت لهم منك الحسنى ، وأنه قد أسخطك سبه إياهم ، فاجعله آية وعبرة ) فلم يمض غير وقت قصير حتى خرجت من إحدى الدور ناقة نادّة لا يردها شيء ، حتى دخلت في زحام الناس ثم اقتحمت الرجل فأخذته بين قوائمها ، ومازالت تتخبطه حتى مات
**************
كان سعيد بن زيد-رضي الله عنه- مُجاب الدعوة ، وقصته مشهورة مع أروى بنت أوس ، فقد شكته الى مروان بن الحكم ، وادَّعت عليه أنّه غصب شيئاً من دارها ، فقال
اللهم إن كانت كاذبة فاعْمِ بصرها ، واقتلها في دارها ) فعميت ثم تردّت في بئر دارها ، فكانت منيّتُها
**************
كان عُقبة بن نافع مُجاب الدعوة فلمّا وجّه إلى افريقية عام ( 50 هـ ) ، غازياً في عشرة آلاف من المسلمين ، فافتتحها واختطّ قيروانها ، وقد كان موضعه بستاناً واسعاً ، لا ترام من السباع والحيات وغير ذلك من الدّواب ، فدعا الله عليها ، فلم يبقَ فيها شيء مما كان فيها إلا خرج هارباً بإذن الله ، فقد وقف و قال
يا أهل الوادي ، إنّا حالون -إن شاء الله- فاظعنوا ) ثلاث مرات ، قيل
فما رأينا حجراً ولا شجراً ، إلا يخرج من تحته دابّة حتى هبطن بطنَ الوادي ) ثم قال للناس
انزلوا باسم الله ) فأسلم خلق كبير من البربر
**************
السخاء والجود
لقد سميت أم المؤمنين زينب بنت جحش -رضي الله عنها- بأم المساكين ومفزع اليتامى وملجأ الأرامل ، وقد اكتسبت تلك المكانة بكثرة سخائها وعظيم جودها ، وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لنسائه
أسْرعكُنّ لحاقاً بي أطوَلَكُنّ يداً ) تقول السيدة عائشة
كنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نمدُّ أيدينا في الجدار نتطاول ، فلم نَزَل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش ، ولم تكن بأطولنا ، فعرفنا حينئذٍ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما أراد طولَ اليدِ بالصدقة ، وكانت زينب امرأةً صناعَ اليد ، فكانت تَدْبَغُ وتخرزُ وتتصدق به في سبيل الله تعالى ) وبعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان عطاؤها اثني عشر ألفاً ، لم تأخذه إلا عاماً واحداً ، فجعلت تقول
اللهم لا يدركني هذا المالُ من قابل ، فإنه فتنة ) ثم قسّمته في أهل رَحِمِها وفي أهل الحاجة ، فبلغ عمر فقال
هذه امرأة يُرادُ بها خيراً ) فوقف عليها وأرسل بالسلام ، وقال
بلغني ما فرّقت ، فأرسل بألف درهم تستبقيها ) فسلكت به ذلك المسلك
**************
كان سعد بن عبادة مشهوراً بالجود والكرم هو وأبوه وجدّه وولدُهُ ، وكان لهم أطُمٌ -بيت مربع مسطح- يُنادَى عليه كل يوم
من أحبَّ الشّحْمَ واللحْمَ فليأتِ أطمَ دُليم بن حارثة )
**************
كان سلمة بن الأكوع -رضي اللـه عنه-على جـوده المفيض أكثر ما يكون جـوداً إذا سئل بوجه الله ، ولقد عرف الناس منه ذلك ، فإذا أرادوا أن يظفـروا منه بشيء قالوا
نسألك بوجه الله ) وكان يقول
من لم يعط بوجه الله فبم يعط ؟)
**************
لقد كان سلمان الفارسي-رضي الله عنه- في كبره شيخا مهيبا ، يضفر الخوص ويجدله ، ويصنع منه أوعية ومكاتل ، ولقد كان عطاؤه وفيرا بين أربعة آلاف و ستة آلاف في العام ، بيد أنه كان يوزعه كله ويرفض أن ينال منه درهما ، ويقول
أشتري خوصا بدرهم ، فأعمله ثم أبيعه بثلاثة دراهم ، فأعيد درهما فيه ، و أنفق درهما على عيالي ، وأتصدق بالثالث ، ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عن ذلك ما انتهيت )
**************
كان صفوان بن أمية-رضي الله عنه- أحد المطعمين ، وكان يُقال له
سِداد البطحاء )
**************
وكان طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- من أثرى المسلمين ، وثروته كانت في خدمة الدين ، فكلما أخرج منها الكثير ، أعاده الله اليه مضاعفا ، تقول زوجته سعدى بنت عوف
دخلت على طلحة يوما فرأيته مهموما ، فسألته : ما شأنك ؟ فقال : المال الذي عندي ، قد كثر حتى أهمني وأكربني و قلت له : ما عليك ، اقسمه فقام ودعا الناس ، وأخذ يقسمه عليهم حتى ما بقي منه درهما ) وفي احدى الأيام باع أرضا له بثمن عال ، فلما رأى المال أمامه فاضت عيناه من الدمع وقال
ان رجلا تبيـت هذه الأموال في بيته لا يـدري مايطرق من أمر ، لمغـرور بالله ) فدعا بعض أصحابه وحملوا المال معه ومضى في الشوارع يوزعها حتى أسحر وما عنده منها درهما وكان -رضي الله عنه- من أكثر الناس برا بأهله وأقاربه ، وكان يعولهم جميعا ، لقد قيل
كان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا الا كفاه مئونته ، ومئونة عياله ) ( وكان يزوج أياماهم ، ويخدم عائلهم ، ويقضي دين غارمهم ) ويقول السائب بن زيد
صحبت طلحة بن عبيد الله في السفر و الحضر فما وجدت أحدا ، أعم سخاء على الدرهم ، والثوب ، والطعام من طلحة )
**************
كان عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- من ذوي الدخول الرغيدة الحسنة ، إذ كان تاجراً أميناً ناجحاً ، وكان راتبه من بيت مال المسلمين وفيرا ، ولكنه لم يدخر هذا العطاء لنفسه قط ، إنما كان يرسله على الفقراء والمساكين والسائلين ، فقد رآه ( أيوب بن وائل الراسبي ) وقد جاءه أربعة آلاف درهم وقطيفة ، وفي اليوم التالي رآه في السوق يشتري لراحلته علفاً ديناً ، فذهب أيوب بن وائل الى أهل بيت عبد الله وسألهم ، فأخبروه
إنه لم يبت بالأمس حتى فرقها جميعا ، ثم أخذ القطيفة وألقاها على ظهره و خرج ، ثم عاد وليست معه ، فسألناه عنها فقال إنه وهبها لفقير ) فخرج ابن وائل يضرب كفا بكف ، حتى أتـى السوق وصاح بالناس
يا معشر التجار ، ما تصنعون بالدنيا ، وهذا ابن عمر تأتيه آلاف الدراهم فيوزعها ، ثم يصبح فيستـدين علفاً لراحلته !!) كما كان عبـد الله بن عمـر يلوم أبناءه حين يولمـون للأغنياء ولا يأتون معهم بالفقـراء ويقول لهم
تَدْعون الشِّباع وتَدَعون الجياع )