-
وعلى الإمام أن يقرأ بالناس قراءة متوسطة لا تشق عليهم خاصّة إذا كان
للمأمومين أشغال وأعمال في النّهار، كما عليه أن يبتعد عن القراءة السريعة
التي لا يفهم الناس منها شيئا، ولا يتدبرون القرآن، والله تعالى يقول:
»وقرءآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا، ويقول تعالى:
"كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب".
-
والأفضل ختم القرآن كلّه في التراويح، وأمّا من وصف ذلك بالبدعة فقد أبعد،
لأن القرآن لم يكن قد اكتمل نزولُه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ،
وأما بعده فقد فعله كثير من السلف.
-
ولا يقرأ الإمام من المصحف، بل يُقدَّمُ الحافظ لكتاب الله تعالى، فإن لم
يوجد فليقرأ الإمام بما تيسّر، وأما ما ورد عن بعض السلف من القراءة في
المصحف، فذلك في البيوت خاصة وحالات خاصة، وليس في مساجد الجماعة، ولأن
تعميم هذا الأمر يؤدي إلى هجر حفظ القرآن الكريم من المسلمين.
-
كما لا يشرع ـ من باب الأولى ـ متابعة المأموم للإمام في التراويح
بالمصحف، ولو خشية إسقاط الإمام لبعض الآيات، فإنّ هذا لم يعهد عن السلف
الصالح رحمهم الله تعالى فيما أعلم.
-
ولا يقرأ المأموم ما دام يسمع قراءة الإمام لقول الله تعالى: »وإذا قرئ
القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون"، وقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: »إنما جُعل الإمام ليُؤتمّ به.. وإذا قرأ فأنصتوا".
-
وإذا أسقط الإمام آية في الصلاة، أو اختلطت عليه القراءة، فإنه يوجهه من
خلفه لكن الأقرب، ولا يَرُدُّ عليه من هو في الصفوف الخلفية لما في ذلك من
الإزعاج.
-
ويجوز للطفل المميّز الحافظ للقرآن الكريم أن يؤمّ الناس في النافلة، حتى
عند المالكية، وأما في الفريضة فمنعها أكثر العلماء، وأجازها الشافعي، وهو
الراجح، لأن عمرو بن سلمة رضي الله عنه أمَّ قومه وهو ابن ست أو سبع سنوات
بعِلم النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه كان أكثرهم قرآنا، رواه البخاري
وغيره.
-
ومع ذلك، فالأفضل البحث عن الأكبر ليصلي بالناس في الجمْع الكبير، لأن هذا
هو الأصل، وفيه إسكات للمسِنِّين المعارضين، فإن لم يوجد فيُقَدَّمُ الطفل
المميّز، لكن بعد تعليم الناس وتوعيتهم بالحكم.
-
ويُقدَّم للصلاة بالناس الذي يقرأ قراءة حسنة شرعا، وليس الذي يتكلّف
تكلّفا زائدا على قواعد اللغة والتجويد، أو الذي يقرأ بالألحان المكروهة.
فعن عابس الغفاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم،
يتخوّف على أمّته ستَّ خصال: »إمرة الصبيان، وكثرة الشُرَط، والرشوة في
الحكم، وقطيعة الرحم، واستخفاف بالدّم، ونشو ـ معنى نشو: شباب صغار السّنّ
ـ يتخذون القرآن مزامير، يقدّمون الرجل ليس بأفقههم، ولا أفضلهم يغنيهم
غناء" رواه أحمد والطبراني في الكبير، وغيرهما، وهو حديث حسن بشواهده.
-
وعلى الأئمة ترك إذاعة القرآن والصلاة إلى خارج المسجد بمكبّرات الصوت،
لما فيه من إزعاج الناس في بيوتهم وغيرها، وإذا امتلأ المسجد حتى صلّى
الناس خارجه، فليُقتصر من نشر القراءة على قدر الحاجة.
-
من الخطإ ترك بعض الشباب صلاة التراويح في المساجد، بحجة أن أهلها يجهرون
بالذِّكر الجماعي بين كلِّ ترويحة، والصواب أن يصلّوا مع الجماعة في مسجد
ليس فيه تلك البدعة، فإن لم يوجد أو وُجد لكن في الذهاب إليه مشقّة أو
فتنة، فليصلوا في تلك المساجد، ولا يشاركوهم في البدعة، وأما قول من قال
بالتَّرك لأن التراويح سُنّة، والجهر بتلك الأذكار بدعة، فقول بعيد عن
الصواب، لأن المسجد مسجد جماعة، والصلاة مع الإمام فضيلة، وباستطاعة المسلم
عدم المشاركة في البدعة، كما قال عثمان بن عفان رضي الله عنه "إن الصلاة
من أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسَن الناس فأحسِن معهم، وإذا أساؤوا فاجتنب
إساءتهم" رواه البخاري.
ويشبه
ما سبق، خطأ من يترك التراويح في المساجد خوفا من الرياء، وهذا من تلبيس
إبليس، فعلى المسلم أن يخلص لله ويجاهد نفسه على ذلك، ويسأل الله تعالى
الإخلاص.
-
ومن خطإ بعض الأئمة الشباب المحبّين للسُّنّة، قيامهم بتغيير هيئة صلاة
التراويح المعتادة بين الناس، فيصلّيها أربعا ثم يسلّم وأربعا ثم يسلّم،
ويصلي الشفع والوتر بتسليمة واحدة، وفي هذا خلط على الناس وتشويش على
العامة، فماداموا متعوّدين على هيئة موافقة للسُّنّة فليُتركوا عليها، ومن
أراد التنويع فليفعل ذلك وحده، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا صلّى
بالصحابة في رمضان كان يسلّم من كلّ ركعتين، وكذلك فعلَ الصحابة رضي الله
عنهم، لما جمعهم عمر على إمام واحد.
- ويستحبّ التسوّك قبل كل ركعتين من التراويح، كما ثبت ذلك عن أحد الصحابة رضي الله عنهم في صلاة الليل.
-
والأفضل صلاة التراويح مع الجماعة في المساجد، للحصول على الأجر، وهو أحسن
من صلاتها في البيوت مع الأهل والأولاد، وأحسن من صلاتها منفردًا لمراجعة
القرآن، فإن في سماعه للقرآن مراجعة ومذاكرة.
-
ولا مانع من صلاة التراويح في أول الليل بعد العشاء والانصراف، ثم العودة
إلى المسجد للصلاة أيضًا في آخر الليل، فإن الصلاة التي جازت في أول الليل
تجوز في آخره، ثم إن ليالي رمضان ليالي عبادة وقيام، وخاصّة في العشر
الأواخر كما قال ابن عبد البرّ، ونقله عنه أحمد بن يحيى الونشريسي، وأما
قول بعض الناس: إن السلف لم يفعلوا هذا، فهو نفي، والنفي ليس بعلم، ثم إن
السلف كانوا يطيلون القيام إلى قبيل الفجر، فهل نستطيع فعل ذلك اليوم؟
-
وإذا أوتر الإمام في أول الليل فالأفضل الإيتار معه للحصول على أجر قيام
ليلة، ولا مانع من الصلاة بعد ذلك، لأن الأمر بجعل الوتر آخر صلاة الليل هو
على الاستحباب، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بعد الوتر
ركعتين. فيجوز للإمام الذي يصلي بالناس في أول الليل بمسجد، وفي آخر الليل
بمسجد آخر، أن يفعل ذلك، غير أنه لا يوتر مرتين.
- والأفضل أن يترك الإمام الإيتار بالناس في التراويح ليوتروا جماعة في آخر الليل في القيام.
-
وإن أراد المأموم أن يقوم بعد سلام الإمام من الوتر، ليضيف ركعة أخرى
شفعًا، فلا مانع في الحالتين، والأفضل من هذا ما جاء في الفقرة السابقة.
-
ويُكره تتبع المساجد، وخاصّة إذا كان من أجل أصوات القُرّاء، فقد قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: »لِيُصَلِّ الرجُل في المسجد الذي يليه ولا يتبع
المساجد" رواه الطبراني وغيره، وهو حديث صحيح كما في صحيح الجامع.
والحكمة من صلاة الرجل في المسجد الذي يليه تعارفه مع جيرانه، وتعاونهم على الخير، وترك مضايقة الناس في المساجد الأخرى.
-
وإذا كان هناك حاجة للذهاب إلى المسجد البعيد جاز ـ لكن بدون فتنة ولا
مشقّة ـ ومن الحاجة كون إمامه يقرأ قراءة شرعية حسنة، وكون المأموم يستفيد
علما نافعًا، ونحو ذلك من الحاجات.
- ويجوز مشابهة القراء المشهورين بالقراءة الشرعية الحسنة، بشرط عدم التكلّف والمشقّة.