المرأة العفيفة
الحمد لله القائلِ في كتابه الكريم : (( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا و أخرجوا من ديارهم و أوذوا في سبيلي و قاتلوا و قتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم و لأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله و الله عنده حسن الثواب ))
كانت تمشي في السوق مِشيةً مثيرةً متكسّرة ، مزهوّةً بقوامها و عباءتِها الجميلةِ المُخَصَّرَةِ الجذّابةِ جداً ، والتي أبرزت معالِمَ جِسْمِها ، وأضفتْ على قَوامِها نُعومةً ورِقّة .. ولا فُستان سهرة !! ، فمرّت بأختٍ لها من النساء ، فتحسّرت تلك الأخرى و هي ترى ما تلبّست به أختُها من معالمِ الفتنةِ و الإغراءِ و جذْبِ الأنظار ، فخافت عليها من عقاب الله ، نعم .. خافت عليها من عقابِ الله ، و أشفقت عليها من سَخَطِه ، فلم تستطع إلاّ أن تُبادِرَها قائلةً لها : ( يا أختي .. يا أختي تستّري ستر اللهُ عليَّ و عليك في الدنيا و الآخرة ) ، فسبحان من أوقع كلامَها في سويداءِ قلبِ تلك المرأة ، فطأطأت رأسَها و قالت : ( إلى هذه الدرجة !!؟؟ ) ، قالت : ( إي و الله .. ألا ترين نظراتِ الرجال ؟ ) ، فتلفّتت حولها فما هو إلاّ كما قالت ، ثم التفتت إليها و قالت : ( أتدرين أنكِ أوّلُ واحدة تقول لي مثلَ هذا الكلام ؟.. لا أمِّي ، ولا أبي ، ولا أَحَدَ من أهلي ، ولا حتى صديقاتي قدّموا إليَّ هذه الملاحظة !! ) ، (ربما استحوْا مِنْكِ ؟) ، (لا بالعكس .. هم ينتقدون بعض الفساتين إللّي ألبسْها ، وبعضَ الألوان إللّي اختارها ، لكن العباءة .. ولا مرّة .. ، حتّى اللِّي ما يَلْبَسون نوعيّة هاذي العباءة ولا مرّة قالوا شيْ !! ) ، ( تتوقعين إنّ هاذي العباءة حرام ؟؟) ، ( يا أختي أنا متأكّدة إنها حرام .. لأن هاذي العباءة صُمِّمَت أصلاً لتُعطي إللي تلبسها نعومة وجمال وإثارة ، وهاذي الأمور.. يجب على المرأة أن تسترها .. ولاّ تُظهِرْها وتمشي بها بين الرجال ؟؟) ، ( لكن ..أنا ما أقصد إظهارها للرجال) ، ( أنا عارفة ياأختي ..لكن الأثم أحياناً يكون على القصد السّيّء ، وأحيناً يكون على العمل نفسِه ولو لم يكن القصد سيّء ) ، ( سبحان الله ..صحيح هذا الكلام ؟؟!!) ، ( نعم ، شوفي يا أختي .. ، هاذي العباءة واللهِ ما فيها خير ، وما تجيب إلاّ الشرّ.. ، وأحلفْ لِك إنّ الرِّجال ، يحترمون المرأة اللي تلبس عباية الرأس العاديّة ، أكثرْ من اللي تلبس العباءة المخصّرة أوالمغربية أو مثلَها من أنواع العِبيّ ، حتّى الفسّاق أهلُ المعاكسات ما يَجْرَئون على إزعاجها ، ثم لاتنسين ياأختي .. إنّ هناك رب ، وحساب ، وجنّة ونار.. الله يجعلني وياكِ من أهل الجنة ، ويِبْعِدْني وإياكِ عن أهل النار ) ، ( والله كلامِك صحيح ..الله يجزيكِ خير.. الله يجزيكِ خير ..استغفر الله العظيم وأتوب إليه ، استغفر الله العظيم وأتوب إليه )
( وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين * وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين)[ 83 ، 84 المائدة ]
أختي الكريمة .. مشهدُ النّصيحةِ هذا .. بوِدِّي لو يتكرّر ، بوِدّي لو تنصحُ كلُّ مسلمةٍ أختَها ، بوِدّي لو تنصحين أنتِ كلَّ مسلمةٍ.. سواءً كنتِ امرأةً متزوجة ، أو كنتِ طالبةً في المدرسةِ ، أو في الكلية ، تنصحين من ترين أنها تستدعي النُّصحَ من أَخَواتِكِ المؤمنات ، فالمؤمنون والمؤمنات ، كما قال الله تعالى ، أولياء يتعاونون على البر والتقوى ( و المؤمنون والمؤمناتُ بعضُهم أولياءُ بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاةَ ويُطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيزٌ حكيم )
أختي العفيفة .. حتّى متى نُسْرِفُ على أنفسنا ؟ ، استمعي إلى ما قالته أمُّ سلمة رضي الله عنها .. ، قالت (استيقظَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من الليل وهو يقول: لا إلهَ إلا اللّه!! ، ماذا أُنْزِلَ الليلةَ منَ الفتن؟ ، ماذا أُنزِلَ من الخزائن ؟ من يوقظُ صواحبَ الحُجُرات؟ [ يقصِد زوجاتِه (صلى الله عليه وسلم)] كم من كاسيةٍ في الدنيا عاريةٌ يومَ القيامة) ، ولاحظي لفظة ( كم من ) في قوله : (كم من كاسيةٍ في الدنيا عاريةٌ يوم القيامة ) فهذه اللَّفْظة تعني الكَثْرة ، يعني : أن النساءَ العارياتِ يوم القيامة كثيراتٌ جدّاً ( نسأل الله السِّتْرَ والسلامة ) ، إذن فالمسألة ليست زِيّاً تلبسينه وانتهى الأمر .. ، لا ، ليس بهذه البساطة !! ، هناك مراقبةٌ لكل فِعْل ، وتسجيلٌ لكل حركة ، ومحاسبة ، وعقاب ، وثواب ، ولذلك .. انظري كيف كان إيمانُ الصحابيات وشدّةُ تأثِّرِهِنَّ بالأحاديث ، يقول الزُّهري : وكانت هند بنتُ الحارث(رضي الله عنها) ، وهي التي روت الحديث عن أم سلمة ، كانت لها أزرارٌ في كُمَّيْها بين أصابعها ، والمعنى ، أنها كانت تخشى أن يبدو من جَسَدِها شيء بِسَببِ سَعةِ كُمَّيْها ، فكانت تُزرِّرُ ذلك لئلا يبدوَ منه شيءٌ ، خوفاً من أن تدخلَ في قولِه (صلى الله عليه وسلم) (كاسيةٍ في الدنيا عاريةٌ يوم القيامة) ، .
قال الحافظ بنُ حجر في شرحه للحديث : أنه (صلى الله عليه وسلم) حذّر النساء من لِباس الرقيقِ من الثيابِ الواصفةِ لأجسامهن ، لئلا يَعْرَيْنَ في الآخرة ، واخْتلَفَ العلماءُ في المُرادِ بقوله: «كاسية وعارية» ، وإن كانت المحصِّلةُ وخيمةً على أيِّ حال ، اختلفوا على أوجه ، أحَدُها : كاسيةٌ في الدنيا بالثياب لوجود الغِنَى ، عاريةٌ في الآخرة من الثَّواب ، لعدم العمل على طاعة الله وتركِ مساخطه في الدنيا ، ثانيها : كاسيةٌ بالثياب نعم .. لكنها ثيابٌ شفافةٌ أو رقيقةٌ أوضيِّقة تُبدي مفاتِنَها ، فتُعاقَبُ في الآخرة بالعُري جزاءً على ذلك ، ثالثها : كاسيةٌ جسدَها ، لكنها تشُدُّ خمارَها من ورائها ، فيبدو صدرُها ، فتصير عاريةً ، فتُعاقب في الآخرة ، الحاصل أنّ اللفظة.. وإن وَرَدَتْ في أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) ، لكن العبرة بعموم اللفظ ، قال العلماء : فأراد (صلى الله عليه وسلم) تحذيرَ أزواجِه من ذلك كلِّه، وكذا تحذيرَ غيرِهن مّمن بَلَغه ذلك ، ولذلك تقول أم سلمة (رضي الله عنها) « لَمَّا نَزَلَتْ { يُدَنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ} خَرَجَ نِسَاءُ الأنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُؤوسِهِنَّ الْغِرْبَانَ مِنَ الأكْسِيَةِ». وهو ما حَمَل عائشةَ(رضي الله عنه) لأن تُثنيَ على نساء الأنصارِ بذلك وتقولُ فيما ورد : (( إن نساءَ قريشٍ لَفُضَلاء ، ولكني واللهِ ما رأيتُ أفضلَ من نساء الأنصارِ أشدَّ تصديقاً بكتاب الله ولا إيماناً بالتنزيل ، يعني لمّا نَزَلت آياتُ الأمرِ بالحجاب ، بادرْن إلى الالتزامِ بالحجابِ كلُّهُنّ بلا استثناء مباشرةً دون تردد ، تقول : ما منهن امرأة .. ما منهن امرأة إلا قامت إلى مِرْطها [ وهو الكساءُ من الصوف ] يعني استترْن بتلك الأكسية ، فأصبحن يصلين الصبح معتجِرات [ أي بتلك الأكسية ] كأن على رؤوسهن الغِربان» .
أختي الكريمة .. أنا وأنتِ نتّفق أنّ اللهُ تعالى هو الأعلمُ بعبادِه كما جاء في الآية: ( هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض ) ، فهو سبحانه يعلم ، أنّ المرأةَ هي أضرُّ فتنةٍ على الرجال ، كما قال (صلى الله عليه وسلم) : ( ما تركت بعدي فتنةً أضرَّ على الرجال من النساء ) ، ولذلك صحّ أنه (صلى الله عليه وسلم) قال : ( المرأةُ عورة إذا خرجت [ يعني من بيتها ] استشرفها الشيطان ) [أي زينها في نظر الرجال ليفتنهم بها ] ولذلك قال الأمام بن المبارك : ( المرأة عورة ، وأقربُ ما تكونُ إلى الله في قَعْرِ بيتها ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان.) ، واللهُ تعالى يعلم أيضاً ، أنّ من طبيعةِ الفسّاقِ والمنافقين أذيّةَ النساء المفرِّطاتِ بالحجاب ، لأنّ الاستهانةَ بالحجاب ، أو بهيئةِ الحجاب ، يدعو السِّفلةَ والفُسَّاقَ المتسكّعين في الأسواق والطرقات ، إلى التّعرُّضِ و الأذى و النظر بشهوة ، وهذا من الفساد !! و الله لا يحبُّ الفساد ، فقال تعالى مُرْشداً وآمراً : ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين [يعني من قِبَلِ الفُسّاق] وكان الله غفوراً رحيما ) ، فكانت تلك الاستجابةُ العظيمةُ من نساءِ الصّحابة كما وصفت أمُّ المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها .
أختي العفيفة .. ونحن نسير نحو حالٍ أرشد ، ومستوىً إيمانيٍّ أفضل ، سنقفُ أنا وأنتِ اليوم إن شاء الله تعالى وقَفَاتٍ مهمّة ، ونحاول أن نتأمّلَ عند كلِّ وَقْفَة ، ونوضِّحَ بعضَ المفاهيمَ والثّوابتَ المهمّة ، ثم نُقرِّرُ سويّاً [إن شاء الله] أهمّيّةَ العنايةِ بها ، وهكذا نصنعُ عند كلِّ وقفة .. حتى نَصِلَ إلى بَرِّ الأمانِ.
الوقفةُ الأولى :
(عِلَّةُ الحياة)
طالما قرأنا قوله تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلاّ ليعبدون ) لكننا لم نتأمّل بشكلٍ جاد في مدى مطابقة واقعنا لهذه الآية العظيمة ، ربما لو سألتُكِ : ما العِلَّةُ من إيجادكِ في هذه الحياة ؟ لبادرْتِ قائلةً بكل بساطة: لعبادة الله تعالى .. ، أليس كذلك ؟ ، أقول بلى هو كذلك .. ، لكنْ هذه الإجابةُ السطحيّة ليست مقصودةً في هذا المقام ، فلسنا في مدرسةٍ ولا في قاعةِ امتحان.. ، إذن ما المقصود من السؤال ؟ ، المقصود من السؤال هو استشعار أبعادِ الإجابةِ الآنفة .. ، لعبادة الله تعالى ، استشعار مقتضياتِها ، استشعار معناها الحقيقي ، استشعار الجانب العملي الواسع لمفهومِ العبادة .. ، هل يا تُرَى يَقْتَصِرُ مفهومُ العبادةِ في أذهاننا على الصلاةِ و الزكاةِ والصومِ والحج ، أم إنّ للعبادةِ مفهوماً أوسع ؟؟ ، ومَن أفصحُ وأصدقُ من القرآن ليُجِيبَ على هذا التّساؤل .. يقول الله تعالى : ( قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) ، لاحظي الجمع بين الصلاة والحياة ، صلاتي..ثم قال .. ومحياي ، فكلاهما للهِ رب العالمين ، فلئِن تَبَادَرَ إلى الذّهن عند ذِكْرِ العبادة.. "الصلاة" .. فلا تحْجِزِي دونها الحياةَ بأكْمَلِها .. فإنها أيضاً للهِ رب العالمين ، الصلاةُ لله ، والحياةُ لله ، بل حتّى المماتُ لله!! ، والحياة ..
أختي الكريمة .. تشمل كلَّ نشاطٍ تقومين به في حياتِكِ ، حتى إماطةُ الأذى عن الطريق ، الذي بعتبِرُهُ مُعظَمُ الناس مُجرَّدَ سلوكٍ حضاريّ.. هو أيضاً لله ، أي أنّه عبادة كما صح في الحديث ، بل حتى المشاعرُ وخوالجُ القلب كلُّها عبادات يجب أن تُصْرف لله لاشريك له ، فالحبُّ والبغض ، والموالاة والمعاداة ، والخوف والرجاء ، والرغبةُ والرهبة ، والخضوعُ والتوكل .. كل هذه المشاعرِ القلبية عباداتٌ عظيمة ، وليس الصلاة والصوم فقط ، ويجب أن تكون كلُّها خالصةً لله ، ولا تتصوَّري أنّ هناك تعقيداً أو صعوبةً في هذا المفهوم أو في ممارسته ، أبداً..أبداً ..الأمر فقط يحتاجْ إلى حضور قلب ونيّة ، فمُمارسةْ هذا المفهومِ الشّامل إذاً ، هي العبادةُ بعينها ، بل إنّ العبدَ [وأقصدْ بالعبد ، الرّجُل والمرأة على حدٍّ سَواء] العبد ، لا يكونُ عبداً حُرّاً من كلِّ قيْد ، …حُرّاً من كلِّ قيْد ، من كلِّ قيد أقول .. ، حتى يُجَرِّدَ هذه المشاعرَ القلبيةَ للهِ وحدَه لا شريكَ له ، فلا يجمع بين المتضادّات في قلبه ولا في سلوكه ، فيزعُمُ إخلاصَ المحبةِ للهِ مثلاً .. يقول : (أنا أحبُّ الله وحده لاشريك له ، وأنا مُخلِص في حُبِّي لربّي [وإخلاصُ المحبّةِ أعظمُ عبادة] ثم بعدَ كُلِّ هذا التعبير الجازم والتأكيد على محبّةِ الله.. يُجاهِرُ بمعصيته ..!! ، كيف؟ ، ويباهي بها .. ، ويُصِرُّ عليها..كيف؟ ، أين إخلاصُ المحبَّةِ للهِ إذن ، أين ؟؟ ، لأن المتعارفَ عليه .. أنّ مِن مقتضياتِ المحبّةِ الكاملةِ الخالصة .. طاعةَ المحبوب ، إذا أحببتِ بإخلاص .. ما الذي تحرصين عليه ..؟ إرضاءُ من تُحِبِّين أم إسخاطُه ؟؟ ، طاعتُه أم معصيتُه ؟؟ ، ثم بِناءً على محبّتِكِ لله .. من وماذا تحبين ؟ ، فإذا كان الجواب : لأنّي أُحِبُّ الله ، فإنّي أحبُّ ما يحبّه الله !! ، .. نقول هذا الكلام جميل ..!! لكن إذا كان في قلبِكِ مكانٌ للفسقةِ ، والعُصاةِ المجاهرين بالمعاصي ، فتحبّين المطربة الفلانية ، وتُعجَبين بالمطرب أو الممثّل الفلاني ، فينبغي مراجعةُ كلامِكِ السابق ، فالتناقض ، والازدواجيّة بين ضِدّين أمْرٌ مرفوض ، فإنّ المُحِبَّ الصّادق ، لا يَخلِطُ في محبّتِه بين حبيبِهِ ومن يُسخِطُ حبيبَه ، فالعبرة إذن ليست في محبّةِ اللهِ عزّ وجلّ .. ، فكلٌّ يدّعي محبّةَ الله ، ولكنّ العبرةَ في محبَّةِ ما يُحِبُّ اللهُ جلّ وعلا من الأعمال ، والهيئات[ أي الأشكال] ، والأقوال ، ... ولذلك امتحن الله الناسَ رجالاً ونساءً بهذه العبادةِ العُظمى قائلاً : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) ، فالاتباع ، والخضوعُ لأمر اللهِ ورسولِه ، هو برهانُ المحبّة ، وقال تعالى : ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها ومساكنُ ترضونها أحبَّ إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربّصوا حتى يأتيَ الله بأمره و الله لا يهدي القوم الفاسقين ) ، وواللهِ يا أختي .. إنّ السعادةَ الحقيقة ، لا السعادةَ الوهميةَ الآنيَّةَ الخادعة..لا .. ، هذه يشترك فيها معظمُ الناس ، العصاة ، الفجرة ، بل حتّى الكُفّار ، يضحكون مِلءَ أفواههم اليوم ، ويحسَبون أنّهم سُعداء .. ثم يقطِّعُهُم البكاءُ من الغد !! ، لا ..لا.. ، أنا أتكلّم عن شيءٍ آخر ، أنا أتكلّم عن السعادة الحقيقية ، سعادةِ الإيمان ، السعادة التي تجدينها عندما تنفرِدِين بنفسِك ، ما معكِ أحدٌ إلاّ الله .. ، فَتَشْعُرينَ بسعادةِ مناجاتِه والأُنسِ به تبارك في عُلاه ، ولا تجدين ما يُنَغِّصُ عليكِ هذا الأُنسَ والانشراح من أنواعِ المعاصي ، ويتحقّقُ اتّصالٌ مُباشر بينَ قلبِكِ وبين من تُحبِّين بكُلِّ صدقٍ وإخلاص ، اتّصالٌ مباشرٌ بين قلبِكِ وبين الله ، هذه هي السّعادةُ التي أعنيها ، السعادة الممتدّة عبر هذه الحياةِ القصيرة إلى ما بَعْدَ هذه الحياة ، السعادة الأزليّة التي لا تنتهي ، لا تنتهي ، فهي معكِ حيثُما كُنتِ ، وحيثُما تقلّبَ بِكِ الزّمان ، في السّرّاءِ والضّرّاء ، في الغِنى والفقر ، في الصِحّة والمرَض ، إنّه السّرور الذي تجدينه في الحياة ، وأثناءَ الاحتضارِ عند توديعِ الحياة ، وبعد الموتِ وأنتِ لِوَحدِكِ في القبر ، وعند النشور في يومِ العرْضِ الأكبر ، يومِ الحساب ، كما قال اللهُ تعالى مُبشّراً : ( فأمّا من أوتي كتابه بيمينِه فسوف يُحاسَب حساباً يسيراً وينقلِبُ إلى أهلِهِ مسروراً) هذا السرور وهذه السعادة .. ، لا تتحقق إلاّ بتجريدِ العبوديّةِ كلِّها لله تعالى كما ذكَرْتُ آنِفاً ، فالحياةُ الطّيّبة ، التي هي حياةُ الطُّمأنينة ، وراحةِ البال ، وراحةِ الضمير ، لا يُمكِن أن تتحقق إلاّ بتجريد المشاعرِ والأفعالِ لله تعالى ، كما قال تعالى : ( من عمل صالحاً ممن ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياةً طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) ، نعم .. حياةً طيبةً في الدنيا ، و حياةً أطيبَ منها في الآخرة ، والآن أعود وأسأل .. هل تصوّرتِ هذا المفهومَ الواسعَ للعبادة لمّا أجبْتِ على السؤالِ المتقدِّم ، لمّا سألتُكِ فقُلْتُ: ما العِلَّةُ من إيجادِك ؟ فقلتِ : عبادةَ الله ، هل تصوّرتِ هذا المفهومَ الواسعَ للعبادة لمّا أجبْتِ على السؤال ؟ ، فإن كانت الإجابة ( لا..لم أتصوّر هذا المفهومَ الواسع ) فيلْزَمُكِ استدراكُ الخلل ، واستكمالُ مفهوم العبادة بشكلٍ شاملٍ وعمليّ ، ومحسوس ، راجعي أختي ..راجعي ، راجعي مدى مطابقةِ سلوكيّاتِك لما يحتويهِ قلبُكِ من مشاعرِ العبادة ، عسى اللهُ أن يُعِينَكِ ويأخُذَ بيدِكِ ، .. وأمّا إن كانت الإجابة ( نعم .. كنت أتصور هذا المفهوم ) ..فالحمد لله إذن ، ولْنَنْطلِقْ في طريقنا نحو التطبيق العملي .. وهو السلوك ..
الوقفة الثانية :
( السلوك )
السلوك أختي الكريمة .. هو مصداق ما في القلب مِن أعمال ، ولأنّ أعمالَ القلب أصلُ مَيْدانِها.. أصلُ مكانِها القلب ، فهي إذن خفيّة مستترة ، القلب .. لا أحَدَ يستطيعُ أن يَشْهَدَ بما فيه من صِدْق ، وإخلاص ، ومحبّةٍ لله ، وخضوع ، ورهبة ، وخشية ، وتعظيم ، وغيرِها من الأعمالِ القلبية ، فالسبيلُ الوحيد إذن لمعرفةِ قيامِ أعمالِ القلب هذه وحقيقتِها ما هي؟ .
هي عَمَلُ الأركان ، عملُ الجوارح ، فالقلبُ إذا أخلص العبادةَ لله ، فاض ذلك الإخلاصُ على أركان الجسدِ كلِّه ، فيتحرك الجسد بما يُمليهِ عليه قلبُ المخلصِ المحبِ الله ، فالسلوك إذن .. ، ماذا تقولين ، ماذا تفعلين ، ماذا تلبسين ، كيف تتعاملين مع نصوصِ القرآن وأوامرِ النّبيّ (صلى الله عليه وسلم) وإرشاداتِه ، .. هذا السلوك ، هو انعكاسٌ حيٌّ ظاهرٌ محسوس لما استتر في القلب من إيمان ، ومشاعر ، وتعظيم وإجلال لله تبارك وتعالى ، والآن .. هل يُمكن أن تتصوَّري وجودَ صدْقٍ وإخلاص وحبٍّ لله ، ورهبةٍ وخشيةٍ منه ، وتعظيمٍ له ، في قلْبِ من إذا غادرت البلادَ ، وهي على مَتْنِ الطائرةِ بعْدُ ، لم تَمَسَّ قدمُها الأرضَ التي هي مُسافِرةٌ إليها ، كان من سلوكِها أنْ خلعت العباءةَ والحجاب ، ثم طوتْهُما ، كأن لم تكن بينها وبينَهما مودّة ، وحشرتْهما في شنطتها ، كَمَنْ يُخْفي عَيْباً !! ، ثم خرجت أمام أعينِ الناس مُسْفرةً عن كلِّ زينة !! ، أسألُكِ بكُلِّ أمانةٍ أُختي الكريمة ، هل يُمكن أن تتصوَّرِي صدْقاً وإخلاصاً للهِ في قلْبِ من تسلُكُ هذا السلوك ؟؟ ، هل يُمكن أن تتصوَّري تعظيماً للهِ وإجلالاً لأمره ونهيه في قلبِها؟؟ ، هل يُمكن أن تتصوَّري حُبّاً لما يُحِبُّه الله في قلبها ؟؟ ، هل يُمكن أن تتصوَّري ذلك ..
أُختاه يا بِنتَ الجزيرةِ ربما *** غَطَّى على عينيكِ فِكْرٌ أحمر
ولَرُبمَّا خدَعَتْكِ عَلمانيّةٌ *** ولَرُبمَّا أغراكِ ذِئبٌ أغــبر
أُختاه يا بِنتَ الجزيرةِ هكذا *** وخنادقُ الباغينَ حولَكِ تُحفر
أو هكذا والحربُ تَضْرِبُ دَفَّها *** يُلقَى بيانُكِ بالسفور ويُنشَرُ
أو هكذا والملحدون تجمّعوا مِن *** حولِنا والطّامعون تجمهروا
أنسيتِ فاطمةَ التي لِحِجابها *** خَضَعَتْ فرنسا والعُصاةُ توتّروا
أنسيتِها .. أنسيتِ كيف تحدّثت *** عنها الوسائلُ كيف عَزَّ المَخْبَرُ
قد كنتِ أوْلَى أن تكوني قُدْوةً *** تدعو إلى إسلامِها وتُبشِّرُ
قد كنتِ أوْلَى أن تكوني للتُّقى *** رمْزاً يَجِلُّ به العَفافُ ويفْخرُ
أوّاهُ يا بِنتَ الجزيرةِ هكذا *** تتمرّدين لبِئسَ هذا المنظرُ
إنّ التِزامَكِ بالحجابِ تماسُكٌ *** والسّعيُ في نزْعِ الحجابِ تدهْورُ
إنّ التِزامَكِ بالحجابِ تقدُّمٌ *** والسّعيُ في نزْعِ الحجابِ تأخُّرُ
ماذا نقولُ لكعبةِ الله التي *** بالثَّوْبِ طُولَ زمانها تتستّر
فَنَزْعُ الحِجاب ، والتّفريطُ في الالتزامْ بهيئةِ الحجابِ الرّبّانيّةِ الشّرْعيّة ، هذا السلوكُ المَشين ، سلمكِ اللهُ منه ، سلوكٌ عمليّ .. ولا يُمكن أن ينعَزِلَ السلوكُ عمّا يُكِنُّه القلب ، إذِ القلب .. هو الذي يُفرِزُ السلوك ، هذه هي الحقيقةُ الناصعة مهما كابرَ المُكابِر ، وهو مصداقُ قوله (صلى الله عليه وسلم) : ( ألا إنّ في الجسد مُضغةً إذا صَلَحت صلح الجسدُ كلُّه وإذا فسدت فسد الجسدُ كلُّه ألا وهي القلب ) ، وأذكِّرُ هنا.. أننا قد اتّفقنا أنا وأنتِ من قبْلُ على مفهومِ العبادةِ الواسع والشّامل ، وأنّكِ تَعينه وتفهمينه جيّداً ، القضية أختي ليست صلاة وصوم فقط ، لا .. ، القضية أكبر وأبعدُ من ذلك ، إنّ العبادة تسليمٌ واستسلام ، تسليمٌ بربوبيَّةِ الله.. أنّه هو الخالق ، الرّزّاق ، مالكُ كلِّ شيء ، له وحدَه حقُّ الأمرِ و النهي كما جاء في الآية ( ألا له الخلق والأمر) ، هذا أوّلاً ، ومن ثَمّ .. ، استسلامٌ لأمره (سمِعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ) وهذا ثانياً ، فالإستسلام ، الذي يعني السّمع والطّاعة ، هو نتيجةٌ حتْميّةٌ لإيماننا الكامل بربوبيّته ، ولذلك .. تريْنَ اللهَ عزّ وجلّ يُقسِم بذاتِه العظيمةِ جلّ وعلا .. ، يقسِمُ بذاتِه المقدّسة على هذا الأمر ، ولا يقسِمُ اللهُ بذاته إلاّ على أمرٍ عظيمٍ جدّاً ، وهذا الأمرُ العظيم هو صِدْقُ استسلامي واستسلامِكِ لأحكامِه وأوامرِه عزّ وجلّ ، قال تعالى : ( فلا وربِكَ [ ما الذي يُقسِمُ به اللهُ هُنا ؟ يُقْسِمُ بذاتِه سبحانه ] فلا وربِكَ لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلّموا تسليما) ، وتأمّلي أيّتها الفاضلة(أسْعَدَكِ اللهُ بطاعتِه) تأمّلِي في قوله تعالى : ( ويسلموا تسليما ) فلم يقل : ( ويسلّموا ) فقط ، لا.. ، بل أتى بالمفعولِ المطلق الذي هو المصدرُ هنا ( تسليما ) والذي يفيد التّوكيدَ الجازم على فَرَضِيّةِ التسليم لأحكام الله جلّ وعلا ، باطِناً وظاهِرا ، فقال مؤكِّداً وجازماً : ( ويسلّموا تسليما ) ، وإنّ من التسليم للهِ تعالى ، أن تشعُرَ المسلمة بالحياءِ من اللهِ خالقِها ، تشعُر بالحياء باطِناً وظاهِرا ، فالحياءُ في أصلِهِ شعورٌ قلبيّ ، لكنْ يظهرُ أثرُه على السّلوك بشكلٍ واضح ، الحياء .. يظهرُ أثرُه على السّلوك بشكلٍ واضح ، وهو عبادةٌ عظيمةٌ جدّاً جدّاً ، بيّن ذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بقولِه : ( الحياءُ والإيمانُ قُرِنا جميعاً فإذا رُفِعَ أحدُهُما رُفِعَ الآخر ) ، سبحان الله !! ..إذا رُفِعَ الإيمان رُفِعَ الحياء ، وإذا رُفِعَ الحياء رُفِعَ الإيمان ، .. والآن .. هل من الحياء أن تخرُجَ المرأةُ المسلمةُ الموحِّدة في حفْلاتِ الزّواج ، أو أيَّةِ مناسَبَة ، بأزياء تكشِفُ مفاتِنَها أمام النساء ..؟؟ ، هل من الحياء أن تخرُجَ بفستان قصير فوق الركبة ، وآخر مشقوقِ الجنبين يُظهِرُ فخِذَيْها ، وآخر يكشِفُ صدرَها .. نِصْفَه أو أكثرَ من ذلك ، أو يكشِفُ كلَّ ظهرِها ، أو تخرج بفستانٍ ضيّق يُحجِّمُ مفاتِنَها ، أو غيرِها من الأزياءِ التي لا تليقُ بالمرأةِ العفيفة ، هل من الحياء .. الذي هو دليل الإيمان .. أن تخرُجَ المرأةُ بمِثلِ هذه الأزياء ..؟؟ ، أَوَ هكذا تسوقُنا الأهواءُ والشّهواتُ سَوْقَ النِّعاج..! ، نركُضُ وراء الموُضة بلا شعور !! ، نركضْ وراءَها رَكْضَ العُميان !! ، نركض وراء الموُضة بلا اعتبار لدين ولا أخلاق ولا حياء!! ، أين تميّزُ المسلمة عن غيرِها من نساءِ الكُفْرِ والإباحيّة ؟ ، أمّ سلمة (رضي الله عنها) ، أمّ سلمة التي ينبغي أن تكونَ قُدْوةً لكِ ولكلِّ مسلمة ، لمّا سمِعت رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يقول : ( من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظرِ الله إليه يوم القيامة ) ، جاءت إليه تسألُهُ باهتمامٍ شديد ( فكيف يصنعُ النساءُ بذيولهنّ [ أي بطرفِ الفستان أو الثّوب ] ، قال : (يرخين شِبْراً ) ، فقالت : ( إذن تنكشفُ أقدامهنّ !!) ، قال : ( يُرخين ذراعاً ولا يزدن ) ، الله أكبر .. انظري .. ، انظري .. ، ما الذي أقلق أمَّ سلمة (رضي الله عنها) ؟؟ ، انكشافُ القدمين !! ، ..كيف تنكشفُ القدمان .. هذا هو الذي أقلقها ؟!! ، ..هل لكِ أن تتصوّري حياءً مثْلَ هذا الحياء أختي المسلمة ؟؟ ، ولمّا نعود إلى أصلِ الحكم الفقهي ، أقول : نعم .. ، نعم .. هناك من تحتجّ ببعضِ أقوالِ العلماء مِن أنّ حدودَ عورةِ المرأةِ أمام المرأة من السُّرّةِ إلى الرّكبة ، وهو قولٌ مَبْنِيٌّ على أن الأصل ، اشتراكُ المرأةِ مع الرّجلِ في الأحكام إلاّ ما خُصّت به المرأة ، فلمّا لم يأتِ بيانٌ خاصٌّ بالمرأةِ في حدودِ عورتِها بالنّسبةِ للمرأة ، قاس أصحابُ هذا القولِ على الحكمِ بالنسبة للرجال ، فقالوا : عورةُ المرأةِ أمام المرأة من السّرّةِ إلى الركبة أيضاً ، وقيّد بعضُهم جوازَ النّظرِ بأمْنِ الفتنة ، يعني إذا لم يكن هناك فتنة ، فيجوزُ لها أن تنظرَ سِوى ما بينَ السّرّةِ والرّكبة ، واستدرك بعضُ العلماء على هذا القول بالتّفريق بين (حكمِ النّظر وحكمِ اللّباس) ، فقالوا : هناك أحكامٌ للنّظرِ وأحكامٌ لِلّباس ، فجوازُ نظرِ المرأةِ إلى صدرِ المرأةِ مثلاً ، لا يستلزِمُ جوازَ تكشُّفِها وارتداءِها ملابسَ الفاسقات ، فإنّ التّشبُّهَ بالفاسقاتِ بِلُبْسِ ملابِسِهِنّ الخليعةِ الفاضحةِ ، حرامٌ قطْعاً ، وإنّما أجزْنا النّظرَ لما تقتضيه حاجةُ المرأةِ من كشْفِ الثّديِ للرَّضاعِ حالَ اجتماعِها بالنساءِ وما شابه ذلك ، وعلى أيِّ حال ..أختي الكريمة ، فهناك قولٌ فقهيٌّ قويّ يذهبُ إلى أنّ حدودَ عورةِ المرأةِ بالنّسبةِ للمرأةِ ، هي كما هي بالنّسبةِ للمحارم ، أي مواضعُ الزّينةِ مِن جسدِ المرأة ، وهي كالتالي : الشعر ، الذي هو موضعُ التّاج ، والنحر ، الذي هو موضعُ القِلادة ، واليدان والذراعان حتى العَضُدَيْن ، موضعُ الخاتَم و الأَسورةِ والدُّملُج ، والقدمان حتّى أسفلَ السّاقين ، موضِعُ الخَلْخال ، أمّا ما وراءَ هذه الحدودِ ، فحرامٌ كشفُهُ على الإطلاقِ ، سِوى للزّوج ، واستدلّوا على ذلك بالآيةِ الكريمة (وقل للمؤمناتِ يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ، ، ولا يبدين زينتهنّ [ أي زينتَهُنّ ذاتَها ويأتي تَبَعاً مواضعُ زينتِهِنّ ] إلاّ لبعولتِهِنّ أو آبائهِنّ أو آباءِ بعولتهِنّ ، ، إلى قولِه : أو نسائهن ) ، فجَمَعَ في حدود ما يجوزُ أن تُبدِيَه المرأةُ من أجزاءِ جسدِها ، جَمَعَ بين المحارمِ والنساءِ ، فحُكْمُهُما واحد ، .. ولذلك نرى نهْياً من الرّسولِ (صلى الله عليه وسلم) للرّجالِ أن يسمحْنَ لزوجاتِهِنّ أن يدخُلْنَ الحمّامَ الخاصّ بالنِّساء [ والمقصود : هو ذلك الحمّامُ الجماعي الخاصّ ، إمّا للرجالِ أو للنساء ، والذي يُخَصَّصُ في بعضِ البلاد من أجل غَسْلِ الجسد ، أشْبَهَ بالحمام التُّرْكي ، ويُخْشَى أن يكونَ فيه كشْفٌ للعورات ] ، قال (صلى الله عليه وسلم) : ( من كان يؤمن بالله واليومِ الآخِر فلا يُدخِلُ حليلتَه الحمّام ) ، رواه النَّسائي والتِّرْمذيّ وحسّنه ، وفي حديثِ أبي أيوبٍ (رضي الله عنه) بلفظ : (من كان يؤمن بالله واليومِ الآخِر من نسائكُم فلا يَدخُلِ الحمّام ) ، وعن أبي المُلَيْحِ الهُذَلِيّ ، أنّ نساءً من أهلِ حِمْص ، أو من أهلِ الشّام ، دخلْنَ على عائشةَ (رضي الله عنها) ، فقالت : ( أنتُنّ اللاتي يَدخُلْنَ نساؤكُنّ الحمّامات ؟! ، سمِعتُ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يقول : ( ما مِنِ امرأةٍ تضعُ ثيابَها في غيرِ بيتِ زوجِها إلاّ هَتَكَتِ السِّتْرَ بينها وبين ربِّها ) رواه التِّرمذيُّ وهو صحيح ، فتلك الآية ، وتلك الآثار تدُلُّ على أنّ الحياءَ لباسٌ للمسلمةِ لا تنزِعُهُ عنها ، سواءً أمام الرجال ، أو أمام النِّساء ، فالأزياءُ الخليعة التي يلبَسُها بعضُ النساء ، أو كثيرٌ من النساء في الحفَلات ، ويتباهيْن بها وبخلاعَتِها وتعريتِها لأجسادهن ، تناقِضُ الحياء ، ولا تليق أبداً بالمرأةِ المؤمنة ، ..
ظاهرةٌ أخرى تتعلقُ بالسلوكِ النّابعِ من مقدار إيمانِ المسلمةِ بحديثِ الرّسولِ(صلى الله عليه وسلم) ، إنّها ظاهرةُ السّفرِ بدونِ محرم ، فما هو مقدارُ إيمانُكِ أختي المسلمة بحديثِ النّبيِ(صلى الله عليه وسلم) الذي يقولُ فيه : ( لا تُسافرُ المرأةُ إلاّ مع ذي محرم ) رواه أحمد والبيهقي بسندٍ صحيح ، ولا تغترِّي أختي العفيفةُ ببعضِ الآراءِ الغريبةِ المُتساهلة ، الآراءِ التي لا تستندُ إلى دليل ، كالرّأيِ الذي يُجيزُ للمرأة السفرَ مع مجموعةٍ مأمونةٍ من النّساء ، فالحكمُ الشّرعي لا يؤخذُ من الآراءِ العقلانيّة التي تَأَثَّرَ أصحابُها بضغطِ الواقع وكثرةِ الأهواء فحرِصَوا على أن يُنشِئوا فِقْهاً يُناسبُ أمزجةَ النّاسِ ولو خالَفَ الدّليل ، فالحكمُ الشرعيّ لا يُؤخَذُ من تلك الآراء ، أُختي في الله ..إنّ الأمرَ دين ، والدِّين .. هو أعظمُ وأغلى شيءٍ يملِكُهُ الإنسان ، فلا يُؤخذُ مِن أصحابِ المناهجِ التي ترى أنّ التّيسيرَ ، في قولِه(صلى الله عليه وسلم) : ( يسِّروا ولا تُعسِّروا ) هو في اتّباعِ الأقوالِ الضّعيفةِ والآراءِ الشّاذّة ، هؤلاءِ لن يرفعوا عنكِ الإثمَ باتّباعِكِ لأقوالِهِم ، وإنّما يَعتصِمُ المسلمُ بالكتابِ والسنّةِ في مثلِ هذه الأمور ولو خالَفَ رغبةَ النّفس ، ومِن ثَمّ يطلُبُ البراءةَ لدينِه ، ولقد أعْفَىَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) رجلاً من الجهادِ في سبيل الله من أجلِ أن يُسافرَ مع زوجتِه إلى الحج ، ولو كان سفرُ المرأةِ لوحدِها مع النساءِ مُباحاً لرخّص لها النّبيُّ (صلى الله عليه وسلم) في ذلك ، فعن ابن عباس: « أَنَّه سَمِعَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَقُولُ: لاَ يَخْلُونَّ رَجَلٌ بِامْرَأةِ إلاَّ وَمَعَها ذو مَحْرَمٍ وَلاَ تُسَافِرُ الْمَرْأةُ إِلاَّ مع ذِي مَحْرَمِ» ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وإِنِّي اكْتُتِبْتُ في غَزْوَةِ كَذَا وكذا ، قَالَ: « فَانْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ». متفقٌ على صحّته ، فإذا كان الرّجلُ يُعفَى من الجهاد من أجْلِ السّفرِ مع زوجته ، فكيف تُبيحُ المُسلِمةُ لِنَفْسِها السّفر بلا محرم بلا سبب أو لأدنى سبب ؟ ، وإذا كان الشّارعُ قد نهى المسلمةَ عن سفرِ الطّاعةِ ، كالحج مثلاً ، بدونِ محرم .. فكيف بغيرِهِ من الأسفار العادية للنُّزهة أو للزيارة ..؟ ، جاءَ عند الداّرَقطني من حديث بنِ عبّاس أنه(صلى الله عليه وسلم) قال: «لاَ تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إِلاَّ وَمَعَهَا زَوْجٌ» صححه أبو عوانة .
الحاصل أختي الكريمة ، أن السلوك مهما كان.. هو مِصداقُ ما في القلب مِن أعمال ، ولا يُمكن لأحدٍ أن يفرِّقَ بين السلوك وبين ما يُكِنُّه القلب ، ولذلك جمع النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) بين الأمرين في ميزانِ الله تعالى فقال (صلى الله عليه وسلم) : ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبِكم وأعمالِكم) رواه أحمد ومسلم وبن ماجة ، (ينظرُ إلى قلوبكم وأعمالكم).. إذن لا انفصال بين عمل القلب وعمل الجارحةِ في ميزانِ الله تبارك وتعالى .
ألا تتّفقين معي إذن أختي الكريمة ، في أنّ السّلوكَ .. هو مصداقُ ما في القلب مِن أعمال؟؟ ، وأنّ كُلَّ عمَلٍ صغيرٍ وكبيرٍ تقومين به ، وكُلَّ مَظْهرٍ تَخرُجين به ، بِحَسَبِ قُرْبِه أو بُعْدِهِ مِن دينِ الله .. إنّما هو انعكاسٌ (حيٌّ ، ظاهرٌ ، محسوس) لما استتر في قَلْبِكِ من إيمان ومشاعرَ حُبٍّ وتعظيمٍ وإجلالٍ لله تبارك وتعالى ؟؟ ، إذا قُلْتِ كلاّ لا أتّفِقُ معَك !! ، قُلْتُ استعيني باللهِ ، واسأليهِ الهدايةَ والرّشاد ، وراجعي كتابَ الله ، راجعيه ..فإنّه مليءٌ بالأدِلّةِ ، مليءٌ بالأدِلّةِ على هذه الحقيقة ، أمّا إنْ كانت إجابَتُكِ : بلى أتّفِقُ معكَ ..[ وهو ما أتوقّعُه إن شاءَ الله] قُلْتُ : الحمدُ للهِ .. عسى اللهُ أن يُثَبِّتَ قلبي وقلبَكِ على الحقَّ ، فإنّ الثّباتَ على الحقِّ والاستقامةَ عليهِ نعمةٌ عظيمة ، والثّباتُ على الحقّ ، يقودُنا للوقفةِ الثّالثةِ التي تُعْنَى بِرعايةِ الحقّ وحِفْظِه ، ووِقايَةِ القلب مِن أسبابِ الزّيغِ والانحراف .. ،