الخاسرون في رمضان
الحمد لله رب العالمين، يمنُّ بمواسم الخيرات ليزداد المحسنون من الدرجات، ويتدارك المقصر فيندم على ما فرط في جنب الله، فيتوب إلى ربه علام الغيوب، والصلاة والسلام على البشير النذير محمد بن عبدالله الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فمن المعلوم أن شهر رمضان من الشهور العظيمة، والمواسم المباركة، تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، وتصفد فيه الشياطين، ويكثر فيه الخير بالإقبال على الطاعات بأنواعها من قراءة للقرآن وتدبره، وصلاة وقيام، وتسبيحٍ واستغفار، ففازوا وأفلحوا، إلا أن هناك ثلة من الناس على العكس من ذلك ضيعوا أوقاتهم في القيل والقال، والغيبة والنميمة، وسيئ الأخلاق، والتكاسل عن الطاعات، فخسروا في هذا الشهر العظيم.
وسنذكر بعضاً من الذين يخسرون في رمضان وهم:
1- الذين لا يصومون إيماناً واحتساباً, بل يصومون رياءً أو عادة فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))1، فدل مفهوم المخالفة أن من لم يصمه إيماناً واحتساباً لم يغفر له ما تقدم من ذنبه, وإذا لم يغفر للمرء في رمضان فمتى يغفر له؟
2- والذين يتركون قيام لياليه كسلاً وتثاقلاً عن الطاعات قد ضيعوا على أنفسهم نصيباً من مغفرة ذنوبهم في رمضان؛ كيف لا وهم يضيعون أفضل الأوقات؟ وإذا لم يغتنم وقته في رمضان فمتى وهو موسم الخيرات، وفيه تضاعف الدرجات.
3- والذين يداومون على مساوئ الأخلاق, ولا يردعهم صيامهم عن ارتكاب المحرمات, فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))2.
4- والذين يضيعون أوقات هذا الشهر الشريفة في النوم والغفلة، ومتابعة القنوات والاستماع إلى الأغاني الماجنة، ومشاهدة ما يغضب رب الأرض والسماوات قد خسروا رمضان فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر))3.
ألم يعلم بأنه مسئول عن كل عمل يعمله قال الله - عزوجل-: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}،4 وقال: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}.5
5- والذين يضيعون الصلوات, ويهجرون المساجد في الجُمع والجماعات هم أيضاً خسروا رمضان, والله - تعالى - يقول: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}6.
6- والذين يفسدون صيامهم عامدين بالمفسدات الحسية كالجماع، والأكل والشرب، والاستمناء, أو المفسدات المعنوية كالكذب والغيبة، والنميمة والحسد، والسخرية والاستهزاء، والفحش والتبرج وغير ذلك، وكل ذلك بسبب ضعف الإيمان، وعدم المراقبة لله - جل وعلا -.
7- وخاسر لرمضان أيضاً من يجتهدون في أول الشهر, وينوون التوبة والاستقامة؛ ثم ما تلبث هممهم أن تفتر, فينقلبون على أعقابهم, ويعودون أدراجهم, ويستأنفون حياة العبث والضياع.
8- والذين يهجرون كتاب ربهم في رمضان, فلا يقرؤونه ولا يتدبرونه, ولا يتدارسونه, والله - تعالى - يقول: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}.7
9- والذين يبخلون بأموالهم أن ينفقونها في سبيل الله فلا يطعمون جائعاً، ولا يفطرون صائماً، ولا يكسون عارياً، ولا يشاركون في أي عمل من أعمال البر قال الله - تعالى -: {هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء}.8
وسبب خسارة هؤلاء القوم هو أنهم لم يوفقوا لاغتنام أوقاتهم، والمسارعة إلى مرضات الله، وكل ذلك من الحرمان، وعليهم أن يعلموا أنهم مسئولون عن إضاعة أوقاتهم فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا على نبيهم؛ إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم))9، فكم من إنسان فاتته هذه الفرصة، فاتق الله، ولا تضيعها فيما لا فائدة فيه.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين.
1 - صحيح البخاري (1/22) رقم (38)؛ ورواه بلفظ: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" (2/709) رقم (1910)؛ وصحيح مسلم (1/523) رقم (760)؛ وسنن أبي داود (1/ 436) رقم (1372)؛ وسنن النسائي (4/157) رقم (2203)؛ وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/240) رقم (992).
2 - صحيح البخاري (5/2251) رقم (5710)؛ ومسند أحمد بن حنبل(2/452) رقم (9838)، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
3 - مسند أحمد بن حنبل (2/373) رقم (8843)، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده جيد؛ وقال الألباني: حسن صحيح في صحيح الترغيب والترهيب (1/262) رقم (1083).
4 - سورة الإسراء (36).
5 - سورة العلق (14).
6 - سورة مريم (59).
7 - سورة محمد (24).
8 - سورة محمد (38).
9 - سنن الترمذي (5/461) رقم (3380)، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح؛ ومسند أحمد بن حنبل (2/453) رقم (9842) وقال شعيب الأرنؤوط: صحيح وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال الشيخين غير صالح مولى التوأمة؛ وصحيح ابن حبان (3/133) رقم (853)؛ وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته (1/1055) رقم (10544)؛ وصحيح الجامع رقم ( 5607).