بسم الله الرحمن الرحيم
ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري
نحمده عزوجل حمد الشاكرين المقرين المعترفين بذنوبهم, الحمد الذي بنعمته تتم الصالحات, ونشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له شهادة حق وصدق وعدل, ونشهد انّ محمداً عبده ورسوله, وصفيّثُ من خلقه وخليله, نشهد والله أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة وكشف الغمة وجاهد في سبيل الله تعالى حق الجهاد حتى ترك أمته على المجّةِ البيضاء, ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك ولا ينكرها الا جاحدٍ ضال.
اللهمّ صلّ وسلم وبارك على هذا النبي الأمي الصادق الوعد الأمين, وعلى أزواجه أمهاتنا الطاهرات المطهرات, وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستنّ بسنته الى يوم الدين وبعد
انّ كلمة ابليس وردت في القرآن الكريم 11 مرة, والشيطان تكرر ذكره في القرآن الكريم بمشتقاته المختلفة 88 مرة, وابليس الذي اغوى ابانا آدم وامنا حواء عليهما السلام في الجنة هو زعيم الشياطين كلها, فلعنة الله عليه وعلى ذريته الى يوم يبعثون.
انّ ابليس بأعوانه وجنوده الذين لا حصر لهم الا بعلم عالم عزيز حكيم, يتلبّسُ على بني آدم بجميع فئاتهم وأماكنهم ومراكزهم, وليس هناك أحدٌ من خلق الله بعيدٌ عن اغواء هذا العدو اللدود الذي أقسم بعزة الله عزة أنه سيغويهم كما في قوله تعالى في سورة الأعراف 16- 18
قال فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم * ثمّ لآتينّهُمْ من بينِ أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين * قال فاخرج منها مذموما مدحوراً, لَّمَنْ تبِعَكَ منهُمْ لأملأنّ جهنم منكُمْ أجمعين
آيات واضحات صريحات لا تحتاج الى شرح مُطوَّلٍ, والغواية التي يتحدث عنها ابليس هي الضلالة والهلاك, ولم يُضللهُ ويُهلكُهُ الا وعصيانه لأمر الله عزوجل بالسجود لآدم عليه الصلاة والسلام, فما كان منه الا نصبّ العداوة لبني آدم طالما في قلوبهم تنبض وطالما تجري في عروقهم الدماء, فتوعدّه الله ومن تبعه هم حطب جهنم, لجل ذلك حذرنا الله عزوجل من ابليس وأعوانه وجنوده وانه عدوٌّ لنا والسعيد من عصى ابليس وأعوانه ونهى النفس عن الهوى, اعتبر وعمل لما بعد الموت ولتكبره, والشقي من أطاع ابليس وأعوانه واتبع سبلههم.
لماذا قال الله تعالى ولا تجد أكثرهم شاكرين ولم يقل ولن تجد أكثرهم شاكرين؟
يقول علماء اللغة أن كلمة لا تفيد بمعنى الحاضر والمستقبل الى يوم القيامة, وأنّ أمرها يسري منذ اللحظة التي طُردَ فيها ابليس من الجنة, ولذلك كانت أول وسوسة وغواية من ابليس لآدم وحواء عليهما السلام, أما كلمة لن فمعناها يعني المستقبل فقط, ومن هنا يتضح معنى وسوسات ابليس والتي يهدف من خلالها ان نقدّمَ طاعته على طاعة الله عزوجل, أي الى بني آدم عن كلّ ما هو خير لهم, وعن كل ما فيه من سعادتهم في الدنيا والآخرة, فابليس رأس كل خطيئة, وكل منا وقرينه من الشيطان معه, حتى نبينا صلى الله عليه وسلم, الا أنّ الله عزوجل أعان نبيه صلى الله عليه وسلم على شيطانه فأسلم والحمد لله على هذه المنّة, والمعصوم من عصمه الله عزوجل.
اذن الشيطان يظهر لبني آدم بصورٍ مختلفة, وأماكن مختلفة, وأحوال مختلفة, فهو يتقمّصُ شخصيات عديدة, وصوراً عدة , ويدخل عليهم من أبوابٍ لا حصر لها الا بعلم علام الغيوب, فمن الناس من يأتيهم بصورته الحقيقية , ومنهم من يأتيهم بصورة جنية, ومنهم من يأتيهم بصورة انسانٍ, أو حيوان الى غير ذلك.
انّ ابليس وأعوانه وجنوده من شياطين الجن ليسوا وحدهم المسخرين لاغواء البشر وجرّهم الى الفساد والافساد , وترغيبهم بفعل شتى أنواع الرذائل والخطايا والموبقات وتزيينها في أعينهم, بل يستعين بجنوده وأعوانه من شياطين الانس على اختلاف انواعهم.
وهناك وسواس شيطاني قهري فوق ارادة الانسان , ولا يأتي الانسان الا عند آداءه للطاعة سواءً كانت صلاة او صيام أو وضوء أو طهارة أو غسل, وما يُعرض للمسلم في وضوءه وصلاته
فلا يدري كم توضأ ولا كم صلى : فمصدره من الشيطان ، فإن استعاذ بالله من الشيطان كفاه الله إياه ، وإن استسلم له واستجاب لأوامره تحكَّم فيه الشيطان ، وتحول من وسوسة عارضة إلى مرضٍ مهلك ، وهو ما يسمى الوسواس القهري.
وهو علة مرضية تصيب بعض الناس كما تصيبهم أية أمراض أخرى ، وهي أفكار أو حركات أو خواطر أو نزعات متكررة ذات طابع بغيض يرفضها الفرد عادة ويسعى في مقاومتها ، كما يدرك أيضاً بأنها خاطئة ولا معنى لها ، لكن هناك ما يدفعه إليها دفعاً ، ويفشل في أغلب الأحيان في مقاومتها ، وتختلف شدة هذه الوساوس حتى إنها لتبدو – لغير المتخصصين – عند زيادة شدتها وكأن المريض مقتنع بها تماماً ، ويعتري هذا النوع من الوساوس الإنسان أيضاً في عباداته وكذلك في شؤون حياته الدنيوية .
وفيما يتعلق بالوضوء يشعر أنه لم يغسل العضو بشكل صحيح بعد قضاء الحاجة, أو يشك أن ملابسه أصابها شيء من البلل وأن هناك شيء من النجاسة قد أصاب ثيابه. وعندما يتوضأ، يشعر أنه لم يغسل أعضاء الوضوء بشكل صحيح. ويحاول تجاهل هذه الوساوس، لكنه يخاف إن تجاهلها وكان مخطئا ، فإن صلاته سوف لن تقبل. وقد يصل به الحال إلى أن الصلاة الواحدة قد تستغرق منه الساعة تقريبا أو أكثر من ذلك، وأصبح يؤدي الصلاة وكأنها مجرد شعيرة عادية لا خشوع فيها بسبب تلك الوساوس. وعندما ينتهي من تأدية إحدى الصلوات، يبدأ في التخوف من كيفية إنهائه للصلاة التي تليها.
المهم في مشاكل من هذا النوع ألا يشعر أحدنا بعقدة الذنب والعقوبة, والوسواس في عدد ركعات يبني على أنه صلى الأقل ويكمل صلاته ثم قبل السلام يسجد سجدتين السهو, وبخصوص شكه في العضو ان كان قد غسله أم لا أن يعتبر أنه غسلهو وهكذا يكون الحل في كل مشكلة وسواسية تعترض أحدنا يتغلب على الشيطان ووساوسه القهرية
وسأورد بعض الأحاديث النبوية الشريفة والتي تبين مدى حرص الشيطان على إغواء بني آدم ، وصدهم عن عبادة ربهم ، وذلك عن طريق الوساوس التي يلقيها في صدورهم . وبينت طريق النجاة من هذه الوساوس الشيطانية . وقد يصل الحال ببعض الناس أنه يشك في كل عبادة يقوم بها ، هل فعلها أم لا ؟ وما يبعث في النفس الطما،ينة من هذه الوساوس , انّ المبتلى بها يثاب عليها, هذا ما ذكره كل من الآئمة ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله
روى الامام مسلم رحمه الله عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ . فقال صلى الله عليه وسلم : وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ:ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ .