غلاء الأسعارأ.د. عبد الله بن محمد الطيارالحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن شريعة الله تعالى كاملة، حاوية لكل شؤون الحياة، فلا تجد أمراً من أمور الدنيا التي يحتاجها الناس إلا وجدت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم العلاج الأمثل الناجح الذي يعالج تلك الأمور، قال تعالى:[الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً](المائدة:3).
لذا وجب على المسلمين رد أمرهم إلى شريعة الله العظيمة التي تبين لهم الحق من الباطل، والصواب من الخطأ، وتدلهم على ما ينفعهم ولا يضرهم، ومن أجلِّ نعم الله تعالى علينا أن جعل ميزانه بينه وبين عباده هو العدل، وما قامت السماوات والأرض إلا به، قال تعالى: [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ](النحل:90) وإذا كان الله تعالى من فوق سبع سماوات يأمر به وجب على الناس أن يطبقوه بينهم، وأن يعملوا على تمكينه في جميع شؤون حياتهم.
ومن حكمة الله تعالى أن أوجد لعباده طرقاً يسلكونها من أجل تيسير معاملاتهم، وإقامة وجوه الحق بينهم، وعندما خالف البشر أوامره، وعملوا بما يناقض شريعته أوقعوا أنفسهم في حرج عظيم، وظهرت بينهم بوادر الظلم والطغيان، وانتشرت بينهم العداوة والبغضاء.
وغلاء الأسعار موضوع مهم جداً، وخاصة في هذه الأزمنة المتأخرة، والتي ظهر فيها هذا الوباء العظيم، والذي أثر على حياة كثير من البشر، وأودى بهم إلى الوقوع في معاصي الله من أجل تحصيل أرزاقهم للحصول على لقمة العيش،
ومعلوم أن غلاء الأسعار له أسباب كثيرة ومتعددة، ومن ذلك ـ حسب رأيي ـ:
أولاً: كثرة الذنوب والمعاصي وبعد الناس عن دينهم: وهي من أشد الأسباب التي أظهرت هذا الوباء العظيم، ومعلوم أن الذنوب تسبب هلاك الحرث والنسل، وتسبب انتشار الفساد في البر والبحر، قال تعالى:[ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ](الروم:41)، وقوله:[وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ](الشورى:30)، والله تعالى يبتلي عباده ببعض ما كسبت أيديهم لكي ينتبهوا ويراجعوا أنفسهم، وقال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر المهاجرين خصال خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل ويتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم" (رواه البيهقي والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 7978)، فهل نظر الناس لهذا الحديث العظيم الذي أوضح فيه النبي صلى الله عليه وسلم أثر هذه الذنوب العظيمة التي تعود على أمة الإسلام بغير ما ترجوه.
ثانياً: حب المال، والإكثار منه: فحب المال والحرص على كسبه بأي طريق -حتى ولو كان عن طريق الحرام -أمر مشاهد للجميع، وخاصة مع انتشار المعاملات الربوية، واختلاط الحلال بالحرام، قال تعالى:[وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً](الفجر:20)، وعندما يطغى على الناس ذلك يصبح الأمر خطيراً جدا، فيتسبب في أمور كثيرة مخالفة لشريعة الله تعالى، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "فوالله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم" (متفق عليه).
ثالثاً: تلاعب التجار والمحتكرين بالسلع التي يحتاج إليها الناس: فيقومون بتخزينها، وإخفائها من أجل رفع ثمنها لتحصيل أكبر كسب منها، وهذا العمل فيه إضرار بالناس، وخاصة الفقراء وأصحاب الحاجات، وهو أيضاً منهي عنه شرعاً، لأنه من الظلم الواضح البين الذي أمر الله بالبعد عنه، وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي:
(يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا..)(رواه مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" (متفق عليه) فمن كان مؤمناً صادقاً كان لزاماً عليه ألا يضيق على إخوانه، ويمنع عنهم فضل الله تعالى باحتكاره للسلع التي يحتاجونها.
رابعاً: تقليل الكميات المرسلة من بعض الدول المصدرة لبعض السلع الضرورية: ـ والتي يحتاج إليها الناس حاجة ضرورية ـ من أجل رفع ثمنها على المستورد، فيضطر إلى رفع ثمنها أيضاً على التجار من أجل تحصيل أكبر ربح منها، وهكذا يفعل التجار، فتنتقل السلع من جهة إلى جهة، حتى إذا وصلت إلى المستهلك أعيته من حيث قلتها وسعرها العالي.
ومما سبق من هذه الأسباب وغيرها يتبين أثر الغلاء على العباد والبلاد، وأنه يجب الوقوف أمام من يتلاعبون بمقدرات المسلمين، وأرزاقهم، والعمل على عدم احتكار الناس للسلع الضرورية، والتي لا غنى لهم عنها.
الإسلام والغلاء: الإسلام في نظامه المالي يقر الملكية الفردية مادامت وسائل التملك مشروعة،
ويقر حرية التصرف في الأموال ما دام ذلك التصرف متمشياً مع روح الشريعة،
وما دامت مصلحة الفرد لا تطغى على مصلحة الجماعة، فإن حصل ظلم أو طغيان من قبل الفرد أو الجماعة أو بدأت مؤشراته تلوح في الأفق فإن في النظام الإسلامي من التدابير ما يكفل إيقاف الناس عند حدودهم، ومنع من تسول له نفسه التعدي على تلك الحدود.
والإسلام أوجد القواعد الضرورية لحفظ التوازن بين الفرد والمجتمع، والحاكم والمحكوم عن طريق النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تنهى عن الظلم والفساد والغش والاحتكار، وتنهى عن الإفراط والتفريط.
وعلى ضوء هذه القواعد كانت النصوص الواردة عن الحبيب في أمر التسعير واضحة جلية تبين أهميتها لوضع الحدود الضرورية من أجل عدم إغلاء السلع على الناس، وعدم احتكارها من جهة التجار الجشعين.
فالغلاء يحتاج إلى معالجة قوية من جهة ولي الأمر لكي، يحفظ على الناس ضرورياتهم الأساسية التي لا غنى لهم عنها، ولا يكون ذلك إلا بالنظر السديد في وضع مشكلة الغلاء وأسبابها، وكيفية معالجتها بالطرق الشرعية التي ليس فيها ظلم ولا إجحاف.
والقول بالتسعير فيه سد للذرائع، ومن الثابت أن سد الذرائع من الأدلة المعتبرة في الفقه الإسلامي وأصل من أصوله المعتمدة. ومعلوم أن سد الذرائع هو المنع من بعض المباحات لإفضائها إلى مفسدة، ومن المسلم به أن ما يؤدي إلى الحرام يكون حراماً، فترك الحرية للناس في البيع والشراء بأي ثمن دون تسعير هو أمر مباح في الأصل، ولكنه قد يؤدي إلى الاستغلال والجشع والتحكم في ضروريات الناس وأقواتهم، فيقضي هذا الأصل الشرعي بسد هذا الباب بتقييد التعامل بأسعار محددة.
وربما يقول بعض الناس إن التسعير فيه تقييد لحرية التجار في البيع وهذا ضرر بهم، والضرر منهي عنه شرعاً، فنقول: إن الضرر الحاصل من منع التسعير أعظم بكثير من الضرر الناتج من إجبار التجار على البيع بسعر، ولاشك أن الضرر الأكبر يدفع بالضرر الأصغر.
وعلى ذلك فالقول بالتسعير عند تجاوز التجار ثمن المثل في البيع يحقق مصلحة الأمة بإرخاء الأسعار، وبهذا يكون التسعير مشروعاً لما فيه من تحقيق مصلحة الجماعة التي تعتبر دليلاً صالحاً لبناء الأحكام عليها عند عامة العلماء.
والحالات التي يمكن فيها التسعير من جهة ولي الأمر هي: الأولى: حاجة الناس إلى السلعة: فعند وجود سلعة معينة يحتاجها الناس حاجة ضرورية لا غنى لهم عنها، فهنا ينبغي لولي الأمر أن يقوم بتسعيرها خشية استغلال التجار هذه الحاجة فيرفعون سعرها، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تجاه هذه المسألة: (لولي الأمر أن يكره الناس على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه، مثل من عنده طعام لا يحتاج إليه والناس بحاجة ماسة، فإنه يجبر على بيعه للناس بقيمة المثل، ولهذا قال الفقهاء: من اضطر إلى طعام الغير أخذه منه بغير اختياره بقيمة المثل، ولو امتنع عن بيعه إلا بأكثر من سعره لم يستحق إلا سعره).
والتسعير في مثل هذه الحالة علاج لحاجة العامة، ولذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
ما احتاج إلى بيعه وشرائه عموم الناس فإنه يجب ألا يباع إلا بثمن المثل، إذا كانت الحاجة إلى بيعه وشرائه عامة، وإن ما احتاج إليه الناس حاجة عامة فالحق فيه لله).
ويقصد رحمه الله بحقوق الله ما نعنيه اليوم بالحقوق العامة، ولا شك أن ضمان الحقوق العامة تهون في سبيله المنافع الشخصية والأطماع الفردية.
وبتوضيح أكثر فإن كفالة حق المجتمع في الحصول على حاجياته الأساسية التي يشترك في الاحتياج إليها جميع أفراده أو أكثرهم كالخبز والغذاء بصفة عامة، تستوجب تسعير هذه الأشياء طالما ظلت حاجة الناس إليها عامة، وذلك مخافة استغلال الباعة هذه الحاجة.
الثانية: حالة الاحتكار: وهو حبس الشيء عن البيع والتداول بغرض إغلاء سعره، وهو محرم بدليل السنة المطهرة بقول الرسول صلى الله عليه وسلم
لا يحتكرُ إلا خاطئ)(رواه مسلم)، وقوله صلى الله عليه وسلم
من احتكر حكرة يريد أن يغلي بها على المسلمين فهو خاطئ، وقد برئت منه ذمة الله)(رواه أحمد والحاكم، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع رقم5349)، وقال أيضاً
من احتكر طعاماً أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالى وبرئ الله منه)(رواه رزين، وخرجه الألباني في مشكاة المصابيح ج2 رقم 2896).
وقواعد الشريعة قد جاءت بالعدل والتيسير على الناس، ونفي الحرج والمشقة، ورفع الضرر عنهم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه الحالة ـ أي حالة الاحتكار ـ
ومثل ذلك ـ أي من حيث كونه يمنع ـ الاحتكار لما يحتاج إليه الناس، لما روى مسلم في صحيحه
لا يحتكر إلا خاطئ)، فإن المحتكر هو الذي يعمد إلى شراء ما يحتاج إليه الناس من الطعام فيحبسه عنهم، ويريد إغلاءه عليهم، وهو ظلم للخلق المشترين، ولهذا كان لولي الأمر أنه يكره الناس على بيع ما عندهم بقيم المثل). فالإكراه على البيع بقيمة المثل هو التسعير، وفي حالة الاحتكار مع حاجة الناس إلى المادة المحتكرة تشتد الحاجة إلى التسعير.
الثالثة: حالة الحصر: وهذه الحالة تلجأ إليها بعض الدول والمجتمعات لحصر البيع في أناس مخصوصين لبعض المواد، بصرف النظر عن حصول النفع أو الضرر على المستهلكين، أو حصوله استبداداً وتحكماً واستغلالاً.
وفي مثل هذه الحالة يتمكن بعض البائعين من قصر البيع عليهم والتحكم في رقاب المشترين، وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مثل هذه الحالة بقوله
... وأبلغ من هذا أن يكون الناس قد التزموا ألا يبيع الطعام أو غيره إلا أناس معروفون لا تباع تلك السلع إلا لهم ثم يبيعونها هم، فلو باع غيرهم ذلك منع ـ فهنا يجب التسعير عليهم بحيث لا يبيعون إلا بقيمة المثل ، ولا يشترون أموال الناس إلا بقيمة المثل ... فالتسعير في مثل هذا واجب بلا نزاع).
وهذا الذي قاله شيخ الإسلام صحيح، فيجب التسعير في هذه الحالة لتفادي الظلم ودفعه عن الناس.
الحالة الرابعة: حالة التواطؤ: وهذه الحالة تتمثل في تواطؤ البائعين وتآمرهم على التحكم في سعر بعض السلع ليبيعوها على الناس بسعر معين يحقق لهم الربح الفاحش، أو العكس فيتواطأ المشترون في شراء سلعة معينة بسعر موحد كي يهضموا حق البائعين.
وفي تلك الحالة يقول شيخ الإسلام رحمه الله
وقد منع غير واحد من الفقهاء كأبي حنيفة وأصحابه القسام الذين يقتسمون العقار وغيره بالأجرة أن يشتركوا، فإنهم إذا اشتركوا والناس محتاجون إليهم أغلوا عليهم الأجر، فمنع البائعين الذين تواطؤوا على ألا يبيعوا إلا بثمن قدروه أولى، وكذلك منع المشترين إذا تواطؤوا على أن يشتركوا فيما يشتريه أحدهم حتى يهضموا سلع الناس أولى).
لذلك يجب في تلك الحالة فرض التسعير دفعاً للضرر.
والقاعدة العامة: في الحالات التي يجب فيها التسعير أنه كلما استولى على التجار الجشع، وتمكن من نفوسهم الطمع، وسيطرت عليهم الأنانية، وعمدوا إلى الاحتكار والاستغلال تعين على ولي الأمر التدخل بتحديد الأسعار.
كيف يقوم ولي الأمر بوضع التسعير المناسب الذي ليس فيه ضرر على البائعين أو المشترين؟ يقوم أولاً: بالاستعانة بأهل الخبرة في تحديد الثمن المناسب، كالتجار، أو أهل الاقتصاد،قال شيخ الإسلام رحمه الله في ذلك
وأما صفة ذلك عند من جوزه فقال ابن حبيب: ينبغي للإمام أن يجمع وجوه أهل سوق ذلك الشيء ـ المراد تسعيره ـ ويحضر غيرهم استظهاراً على صدقهم فيسألهم: كيف يشترون؟ وكيف يبيعون؟ فينازلهم إلى ما فيه لهم وللعامة سداد حتى يرضوا، ولا يجبرون على التسعير، ولكن عن رضا، وليس المقصود من الرضا من جانب البائعين أن يكون السعر موافقاً لهواهم محققاً لمصلحتهم الشخصية، ولكن المقصود هو أن يكون السعر عادلاً وغير مجحف بالبائعين، أي يتحقق لهم فيه ربح معقول).
واشتراط أن يكون السعر عادلاً في التسعير الإسلامي أمر لابد منه، لأن التسعير ما جعل إلا رفعاً للظلم، فلا يسوغ أن يكون هو في ذاته ظلماً.
ثانياً: مراقبة التسعير: وهذا الأمر في غاية الأهمية؛ حيث إن التجار في غالب الأحيان يحدث منهم التلاعب في الأسعار جلباً للكسب الزائد، فإذا قام ولي الأمر بوضع مراقبة عليهم عن طريق تعيين أشخاص معينين من قبل الدولة يقومون بمراقبة الأسعار والإشراف على الأسواق، فهذا يمكن له التحكم في التسعير، ويرفع الضرر بذلك عن كل من المشترين والبائعين.
وهذا بفضل الله موجود عندنا، وقد ولاه أولياء أمورنا بالغ الاهتمام، وهذا ما جعل السوق عندنا محكوماً بالمراقبة والمتابعة، وعدم الوقوع في غلاء الأسعار على الناس، ولكن للأسف الشديد عندما وجد الناس تساهلاً من بعض جهات المتابعة قاموا بالتلاعب بالأسعار، ورفع أسعار بعض السلع الضرورية للناس، وهذا يكون علاجه عن طريق تشديد المتابعة، وفرض عقوبات على من تسول له نفسه برفع الأسعار عما هو محدد من قبل ولاة الأمور.
والعقوبة التي يضعها ولاة الأمور راجعة للمصلحة العامة، فلولي الأمر تنويع العقوبات بحيث يكون هناك رادعٌ لهؤلاء المتلاعبين، بحيث تمنعهم هذه العقوبات من التلاعب بأقوات الناس وأسعارها.
قال شيخ الإسلام رحمه الله
إن عقوبات التعزير تختلف مقاديرها وصفاتها بحسب كبر الذنوب وصغرها، وبحسب حال المذنب في قلته وكثرته).
وعلى ما سبق ذكره يتعين القول بالتسعير إذا توافر شرطان: أحدهما: ألا يكون سبب الغلاء هو كثرة الطلب وقلة المعروض من السلع.
والثاني: أن تكون حاجة الناس للسلعة عامة.
فكلما كانت مصالح الناس ومنفعتهم العامة في التسعير تعين اتخاذه، وهذا يختلف باختلاف الزمان والمكان، ويكون تطبيقه بحسب وضع السوق، وحرص التجار على عدم التلاعب في الأسعار.
فإذا اندفعت حاجة الناس وقامت مصلحتهم بدون التسعير فلا داعي له، أما إذا كانت حاجة الناس لا تندفع إلا بالتسعير ولا تتحقق مصلحتهم إلا به كان لزاماً على ولي الأمر أن يسعر عليهم تسعيراً عادلاً لا ضرر فيه على البائعين أو المشترين.
هذا ما تيسر الكلام عنه في هذا الموضوع، والله أسأل أن يرد المسلمين إلى صوابهم ورشدهم، وأن يوفق ولاة أمورنا لما فيه المصلحة والخير للبلاد والعباد، وأن يحفظ علينا نعمه الظاهرة والباطنة، وألا يؤاخذنا بذنوبنا إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين