هاهي الأيام تطوى يوماً بعد يوم، وأسبوعاً تلو أسبوع، وشهراً يعقبه شهر.
تمر بنا من أعمارنا ونفرح بمرورها وهي تقربنا من آجالنا وتنقص من أعمارنا،
والكثير منا في سهو ولهو وغفلة.
أيها المؤمنون، هذه الأيام مطيتنا إلى الله والدار الآخرة تحملنا وتسوقنا إلى لقاء الله ويا له من لقاء.
لقاء
الأحبة ـ عباد الله ـ لقاء مشوق تشتاق إليه نفس المؤمن وتفرح به، وعلى
العكس من ذلك حال المنافق والكافر والفاجر الفاسق، وقد أخبرنا صلى الله
عليه وسلم بذلك: ((من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره
الله لقاءه)) قالت فقلت: يا نبي الله أكراهية الموت؟ فكلنا نكره الموت.
فقال: ((ليس كذلك ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء
الله فأحب الله لقاءه وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله
وكره الله لقاءه)).
أيها الموحدون: والكثير منا اليوم يكره الموت لا كما
قالت عائشة، فإن كراهية الموت التي هي من الطبيعة أمر خارج عن الإرادة،
لكن الكثير يكره الموت لأنه لم يستعد للقاء الله، ولم يعمل عملاً يقدم به
على الله وهو فرح مستبشر. الكثير منا مفرط مقصر في الفرائض قبل النوافل وفي
الواجبات قبل المستحبات، لذا فإننا غير مستعدين للموت.
وقد أشار إلى
هذا المعنى بعض السلف رحمه الله عندما سئل: ما بالنا نكره الموت؟ فقال رحمه
الله: لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم آخرتكم، فكرهتم الانتقال من العمران إلى
الخراب. نعم، إنه والله السبب الرئيس لكراهيتنا للموت.
ولكن بشراكم أيها
المؤمنون، فإن لله جل وعلا منح وعطايا يحبو بها عباده في كل حين، وهذه هي
حال الكريم مع عباده الفقراء المحتاجون إليه، وكل يوم هو في شأن. يستر
ذنباً، ويعفو عن زلة، ويمحو سيئة، ويقبل توبة، ويرفع درجة.
وحال العباد والله المستعان ما بين لهو وغفلة وانشغال بدنيا يموت ويفارقها ويرثها من بعده قوم آخرون.
ومن
هذه المنح التي طالما امتن الله بها على عباده هذا الشهر الكريم العظيم
الذي أنزل فيه القرآن. هذا الشهر الذي فيه ليلة واحدة هي خير من ألف شهر.
أنزل الله فيها سورة كاملة. قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَـ?هُ فِى لَيْلَةِ
?لْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ?لْقَدْرِ لَيْلَةُ ?لْقَدْرِ
خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ ?لْمَلَـ?ئِكَةُ وَ?لرُّوحُ فِيهَا
بِإِذْنِ رَبّهِم مّن كُلّ أَمْرٍ سَلَـ?مٌ هِىَ حَتَّى? مَطْلَعِ
?لْفَجْرِ [سورة القدر]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((أتاكم رمضان، شهر
مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب
الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم
خيرها فقد حرم)) [رواه النسائي]. وعند ابن ماجه والترمذي من حديث أبي هريرة
رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا كانت أول ليلة
من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب
ونادى مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار،
وذلك في كل ليلة)).
هذه أيها المؤمنون واحدة من المنح التي يمنحنا الله
إياها لكي ننال بها جنة عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عين رأت ولا أذن
سمعت ولا خطر على قلب بشر. ومع ذلك يمر رمضان على بعض المسلمين هداهم الله
كغيره من الشهور بل إنه وللأسف قد يكون أسوأ حالاً عند البعض، وعند
الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ((رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان
ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه
الجنة)).
فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم هذا موسمكم قد اقترب ، وضيفكم
قد أطل، فأين كرم الضيافة وأنتم أهل الكرم؟ وأين البشاشة والفرح وضيفكم
خير الضيوف؟.
كان الصالحون دوما مع رمضان فهم ينتظرونهستة أشهر استعدادا بالتوبة والعمل الصالح ويتزودون منه بالتقوى وقوة الايمان ستة أشهر أخرى
اللهم بلغنا رمضان اللهم بلغنا رمضان اللهم بلغنا رمضان