أسرار خلق الإنسان
سر نقطة الماء:
ما أروع هذا البناء المحكم .. الذي صوره الله تعالى ، فأحسن صورته .. انظرْ إليه إنّه يتحرك .. إنّه ينبض بالحياة .. إنّه إنسان حيّ .
كان هذا جزءً من حوار دار بين نقطة مياه و ذرة تراب .
نظرت نقطة الماء إلى ذرة التراب و قالت : الحمد لله الذي شرفني ، فجعل مني كل شيء حي لقوله تعالى : " وجعلنا من الماء كل شيء حي " الأنبياء الآية 20 .
و لا شكّ أنّ أفضل الكائنات الحية الإنسان ، و أنا جزء من تركيبه .
و قصة حياتي في تركيب الإنسان تبدأ عندما أكون مع إخوتي على سطح الأرض .. في بحارها و أنهارها ، و آبارها ، فيأتي الإنسان و يأخذني بعد أن أمرّبمراحل متعددة في عملية التكرير ،حتى أطهّر جيدا من الأقذار ، ثمّ يأكلني مع طعامه أو يشربني ، و هنا أدخل مرحلة جديدة مع الإنسان ، أختلط فيها بلحمه و عظمه و دمه ،سواء كان هذا الإنسان ذكرا أو أنثى صغيرا أو كبيرا .
سر خلق الإنسان :
قالت ذرة التراب لنقطة الماء : إنّ حياتك تنتهي عندما تدخلين في تركيب جسم الإنسان أليس كذلك ؟ا
قالت نقطة الماء : لا بل إنّ لي دورا آخر مع الإنسان ، فعندما يتزوج الرجل و المرأة ، و يحدث بينهما لقاء ، أخرج من صلب الرجل ، و أستقرّ في رحم المرأة فأبدأ رحلة جديدة في بحر الظلمات الثلاث و هي : ظلمة البطن و ظلمة الرحم و ظلمة المشيمة . لقوله تعالى عنها : " و يخلقكم في بطون أمهاتكم خلْقا من بعدِ خَلْقٍ في ظُلُماتٍ ثلاثٍ" الزمر : 6
و خلْق الإنسان يبدأ من نقطة الماء ( المني ) لقوله تعالى :" فلينظرْ الإنسان ممّا خُلِقَ ، خُلِقَ من ماءٍ دافقٍ " الطارق : 5 ــ 6 .
و من ماء الرجل تلقح بويضة المرأة ، و هذه هي المرحلة الأولى في خلق الإنسان لقوله تعالى :" و أنّه خلق الزوجين الذكرَ و الأنثى من نطفةٍ إذا تُمْنَى " النجم 46
و قال عزو جل :" ثمّ جعل نَسْلَهُ من سُلالةٍ من ماءٍ مَّهِينٍ " السجدة : 8 ، و قال جل شأنه :" إنّا خلقنا الإنسانَ من نطفةٍ أمشاجٍ نبْتَليهِ فجعلناهُ سميعا بصيرا " الإنسان:2
ثمّ تستقرُّ هذه النطفة في القرار المكين و هو الرحم لقوله تعالى:" ثمّ جعلناهُ نطفةً في قرارٍ مكينٍ " المؤمنون : 13
ثمّ تنمو هذه النطفة حتى تصبح مثل قطعة اللحم الصغيرة المعلقة في جدار الرّحم ، و لذلك سمي الجنين في تلك المرحلة بالعلقة لقوله تعالى :" اِقرأْ باسم ربِّك الذي خلقَ ، خلق الإنسانَ من علقٍ " العلق : 1 ــ2 . و قال تعالى :" ثمّ كان علقة فخلقَ فسوَّى " القيامة :18 .و بين الرسول صلى الله عليه و سلم هذه المرحلة فقال :
" أنّ أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ، ثمّ يكون علقة مثلَ ذلك ، ثمّ يكون مضغةَ مثل ذلك " رواه البخاري
و ذكر النبي صلى الله عليه و سلم في مراحل التكوين كلمة " مضغة " ، و هي قطعة اللحم الممضوغ أي المقسمة إلى أجزاء في كتلة واحدة و بين الله تعالى تلك المرحلة في كتابه في قوله تعالى :" فإنّا خلقناكم من ترابٍ ثمّ من نطفةٍ ثمّ من عَلَقةٍ ثمّ من مُضغةٍ مُخَلَّقةٍ و غيرِ مُخلَّقةٍ " الحج : 5 و هما مرحلتان من مراحل المُضغةِ ، حيث تكون أوّلا غير مُخلَّقة ثمّ يخلق الله تعالى فيها أجهزتها و أعضاءها شيئا فشيئا. ثمّ يخلق لهذه المُضغة هيكلا عظيما كاملا . قال الله تعالى :" فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثمّ أنشأناه خَلْقًا آخرَ فتباركَ اللهُ أحسنُ الخالقينَ" المؤمنون : 14 . و بعد فترة ، يكتمل خلق الجنين فيصبح في أحسن صورة كما قال الله تعالى :" و صوّركمْ فأحسنَ صُوَرَكُمْ و إليه المصيرُ " التغابن : 3 .
أخذت نقطة الماء نفسا عميقا ثمّ قالت : كلّ هذه المعلومات عن خلق الإنسان عرّفنا الله بها في قرآنه قبل أن يكتشفها العلم الحديث . أليس هذا دليلا على صدق الرسول صلى الله عليه و سلم ؟ ا
سرّ الإنسان الأول :
قالت ذرة التراب : لقد كنت المادة الأولى التي خلق الله منها الإنسان الأول ، فآدم عليه السلام خلقه الله تعالى من التراب ، قال الله تعالى :" إنّ مثلَ عيسى عندَ اللهِ كمثلِ آدم خلقه من تراب ثمّ قال له كُنْ فيكونُ " آل عمران : 59 .
و كلّ بني آدم من تراب ، و صدق القائل : " هو الذي خلقكم من تراب " غافر : 67 .
و كانت بدايتي مع الإنسان عندما أمر الله تعالى ذرات التراب أن تتجمّع ، ثمّ أمر الله الماء فاختلط بي ، فأصبحت طينا ، ثمّ تُرِكْتُ فترة من الزمن حتى أصبحت حَمَأَ مسنونا
( أيّ طينا أملس ) فشكل الله مني آدم عليه السلام ، بعد فترة أصبحت صَلَصالاً كالفخار ، و عند ذلك نفخ الله تعالى في صورة آدم الروح ، فتحرّك و دبّت فيه الحياة .
و قد وصف الله تعالى المراحل في كتابه فقال : " و لقد خلقنا الإنسانَ من صَلْصالٍ من حمأٍ مسنونٍ " الحجر : 26 . و أكّد النبي صلى الله عليه و سلم ما جاء في القرآن فقال :" إنّ الله تعالى خلق آدمَ من قبضةٍ قبضها من جميعِ الأرضِ فجاء بنو آدم على قدر الأرض ، فجاء منهمْ الأحمر و الأبيض و الأسود و بين ذلك " رواه الترمذي .
و بين النبي صلى الله عليه و سلم مراحل خلق آدم فقال :" إنّ الله خلق آدم من تراب ، فجعله طينا ثمّ تركه حتى إذا كان حمأً مسنونا ، خلقه و صوّره ثمّ تركه حتى إذا كان صلصالا كالفخار ، كان إبليس يمرّ به فيقول : لقد خُلِقْتَ لأمرٍ عظيمٍ ، ثمّ نفخ الله تعالى فيه من روحه . و إنّ أوّل ما جرى فيه الروح بصره و خياشيمه ، فعطس فقال الحمد لله ، فقال الله تعالى :" يرحمك ربك " رواه البخاري .
سرّ النفس الإنسانية :
القلب عضو مهم من أعضاء جسم الإنسان ، و مع أنّه يؤدي وظيفته بكفاءة ، حيث ينقل الدم النقي إلى أجزاء الجسم ، فإنّه كثيرا ما يضطرب من تصرفات الإنسان .
ها هو يشكو لنا من الانفعالات النفسية للإنسان .. تُرى ماذا يقول ؟
أنا حزين جدا بسبب الإنسان ، فهو كثير ما يعرضني للتعب . و سأقصّ لكم الآن ما يحدث لي عندما ينفعل الإنسان ، فإنني أضطرب ، و هذا يجعلني أُسرع من دقاتي ..
لا شكّ أنّ الخوف أحد الانفعالات المهمة للإنسان ، حيث يساعده عل اتّقاء الأخطار التي تهدده ن و هذا يجعل الإنسان يحذر ممّا يخافه و يتّقي عواقبه .
و المؤمن حينما يخاف من الله يتجنب المعاصي ، و يطلب رضا الله ، قال الله تعالى :" تتجافى جنوبُهُمْ عن المضاجعِ يدعون ربّهم خوفا و طمعا و ممّا رزقناهم ينفقون " السجدة : 16 .
و الإنسان يخاف من أشياء كثيرة ، فهو يخاف من الله ، و يخاف من الموت ، و يخاف من الفقر .
ومع أنّ القرآن قد بيّن للإنسان هذه الانفعالات النفسية ، و كيف يعالجها ، و يسيطر عليها قبل أن يهتدي إليها علملء النفس بقرون ، إلاّ أنّ كثيرا من الناس نراهم يعرضون عن كتاب الله .
و من أنواع الخوف التي وردت في القرآن الكريم :
ـــ الخوف من الموت ، قال الله تعالى :" قُلْ إنّ الموتَ الذي تفرّونَ منهُ فإنّه مُلاقيكمْ " الجمعة : 8 .
ـــ الخوف من الفقر ، قال الله تعالى :" و لا تقتلوا أولادَكُمْ من إِملاقٍ نحنُ نرزقُكُمْ و إيّاهُمْ " الأنعام : 151 .
و أنا القلب بدوري أتأثّر من هذه الانفعالات ، فإذا خاف الإنسان حدثت له تغيرات بدنية كثيرة ، مثل اتساع حدقة العين و انتصاب شعر الرأس و شعر الجلد ، فيشعر الإنسان بالقشعريرة .
و الأهم من كل ذلك هو ما يصيبني أنا القلب من هذا الانفعال ، حيث يحدث لي خفقان شديد يؤدي إلى كثرة تدفق الدم إليّ ، ممّا يزيد من حجمي ، و يجعلني قريبا من القصبة الهوائية ، و لذلك يشعر الخائف باقتراب قلبه من حنجرته . قال الله تعالى :" إذْ جاءوكُمْ من فوقكُمْ و من أسفل منكم و إذْ زاغت الأبصار و بلغت القلوب الحناجر وتظنّون بالله الظّنونا " الأحزاب : 10 .فالآية تبين حالة الخوف الذي انتاب المسلمين أثناء موقعة الخندق .
أ رأيتَ أيّها الإنسان كيف اهتمّ القرآن بانفعالاتك و سجلها لك قبل أن يعرفها علماء النفس بمئات السنين ، فما أعظم خالق الإنسان ، منزل القرآن ا