الترحيب بالهلال
وقد جرت عادة الشعراء أن يرحبوا بهلال رمضان الذي يأذن ببدء هذا الشهر الكريم ، ويتفننوا في وصفه ويعدوه أمارة خير وبشلرة يمن وبركة ، فيقول الشاعر ابن حمديس الصقلي :
قلت والناس يرقيون هلالا يشبه الصب من نحافة جسمه
من يكن صائما فذا رمضان خط بالنور للورى أول اسمـه
ويذكر البحتري هلال شهر شعبان حين أصبح قمراً يؤذن بطلوع شهر رمضان ، فيقول :
قم نبادر بها الصيام فقد أقمر ذاك الهلال من شعبان
ويقول الشاعر الجزائري محمد الأخضر يمتدح هلال رمضان
امـلأ الدنيـــا شعاعـا أيهــا النـور الحبيب
قـد طـغـا الناس عليهـا وهـو كالليـل رهيب
فترامــت فـي الدياجـي ومـضت لا تستجيب
ذكـّر النــاس عهــودا هي من خير العهــود
يوم كان الصـوم مــعنى للتسامــي والصعـود
ينشر الرحمـة في الأرض علـــى هذا الوجـود
وفي الأدب العربي القديم والحديث تغنى الكثير من الشعراء بفرحة شهر رمضان ومنهم البحتري الذي قال في مديح الخليفة المعتصم :
بالبر صمت وأنت أفضل صائم وبسنة الله الرضية تفطر
ويقول محمود حسن إسماعيل مرحبا بشهر الصيام :
أضيف أنت حــل على الأنام وأقسـم أن يحيــا بالصيـام
قطعت الدهـر جوابـا وفيـا يعـود مزاره فـي كل عـام
تخيم لا يحد حمـاك ركــن فكل الأرض مهـد للخيـام
نسخت شعائر الضيفان لمـا قنعت من الضيافة بالمقــام
ورحت تسد للأجواد شرعـا من الإحسان علوي النظــام
بأن الجود حرمـان وزهـد أعـز من الشراب أو الطعام
ويصور مشهد الصائمين المترقبين صوت المؤذن منتظرين في خشوع ورهبة نداءه فيقول:
جعلت الناس في وقت المغيب عبيد ندائك العاتي الرهيب
كما ارتقبوا الأذان كأن جرحا يعذبهم ، تلفَّت للطبيــب
وأتلعت الرقاب بهم فلاحـوا كركبان على بلد غريـب
عتاة الأنس أنت نسخت منهم تذلل أوجه وضنى جنـوب
ونجد الشاعر أحمد مخيمر يناجي رمضان قائلا :
أنت في الدهر غرة وعلـى الأر ض سلام وفي السماء دعـــاء
يتلقاك عند لقيـــاك أهل الـ ـبر والمؤمنون والأصفيـــاء
فلهم في النهار نجوى وتسبيــ ـح وفي الليل أدمــع ونــداء
ليلة القدر عندهم فرحة العمـ ـر تدانت على سناها السمــاء
في انتظار لنورها كل ليـــل يتمنى الهدى ويدعو الرجـــاء
وتعيش الأرواح في فلق الأشوا ق حتى يباح فيــها اللقـــاء
فإذا الكون فرحة تغمر الخلــ ــق إليه تبتـل الأتقيــــاء
وإذا الأرض في سلام وأمــن وإذا الفجر نشـــوة وصفــاء
وكأني أرى الملائكة الأبـــ ــرار فيهـا وحولها الأنبيــاء
نزلوا فوقها من الملأ الأعلــ ـى فأين الشقـاء والأشقـياء ؟
وفي رمضان تتجه النفوس إلى الله بخشوع وإيمان ، وفي ذلك يقول الشاعر مصطفى حمام:
حدِّثونا عن راحة القيد فيـه حدثونا عن نعمة الحرمـان
هو للناس قاهر دون قهــر وهو سلطانهم بلا سلطـان
قال جوعوا نهاركم فأطاعـوا خشعا ، يلهجون بالشكران
إن أيامك الثلاثين تمضــي كلذيذ الأحلام للوسنـــان
كلما سرني قدومك أشــجا ني نذير الفراق والهجـران
وستأتي بعد النوى ثـم تأتي يا ترى هل لنا لقاء ثـان؟
أما الشاعرة علية الجعار فكانت من أكثر الشاعرات احتفاء بشهر رمضان ، ففي ديوانها (ابنة الإسلام) نجد مقطوعة شعرية بعنوان (رمضان) جاء فيها :
وإن هل بالنور شهر الصيـام يجـود به الله في كل عـام
وصمنا له طاعة في النهــار وقمنا له خشّعا في الظـلام
وفي ديوانها الأخير (مهاجرون بلا أنصار) نجد قصيدة بعنوان (مرحبا رمضان) وفيها :
يا مرحبـا شهـر الهـدى شهر السماحــة والندى
وتحدثت في قصائدها عن ارتكاب المعاصي في شهر الصوم فمقطوعة عن تارك الصلاة وأخرى عن المفطر المجاهر ومقطوعة عن إيذاء الناس ثم اختتمت هذه المقطوعات بمقطوعتين الأولى تلاوة القرآن والثانية الصوم في رحاب الكعبة وتتحدث فيها عن تجربة المعتمرين في رمضان حيث يقضون أكثر أوقاتهم في البيت الحرام.
* دعوة الى الاعتدال
وفي رمضان نرى كثيرا من الصائمين يقضون فترة المساء في تناول مختلف الأطعمة ، ويحشون معدتهم بألوان عدة من الطعام ، وقد يأكلون في شهر الصيام أضعاف ما يأكلون في غيره ، وأمثال هؤلاء لا يستفيدون من الصوم الفائدة المرجوة . وفي ذلك يقول الشاعر معروف الرصافي وهو يصف بعض الصائمين الذين يتهافتون على الطعام غير مبالين بالعواقب :
وأغبى العالمين فتى أكــول لفطنته ببطنته انــــهزام
ولو أني استطعت صيام دهري لصمت فكان ديـدني الصيام
ولكن لا أصوم صيام قــوم تكاثر في فطورهم الطعــام
فإن وضح النهار طووا جياعا وقد هموا إذا اختلط الظـلام
وقالوا يا نهار لئن تــجعنا فإن الليل منك لنا انتـقـام
وناموا متخمين على امتـلاء وقد يتجشئون وهم نــيام
فقل للصائمين أداء فــرض ألا ما هكذا فرض الصـيام
ويرسم عميد الأدب العربي طه حسين صورة أدبية للحظات الإفطار فيقول : " فإذا دنا الغروب وخفقت القلوب وأصغت الأذان لاستماع الآذان وطاشت نكهة الطعام بالعقول والأحلام ، فترى أشداقا تنقلب وأحداقا تتقلب بين أطباق مصفوفة وأكواب مرصوفة ، تملك على الرجل قلبه وتسحر لبه بما ملئت من فاكهة وأترعت من شراب ، الآن يشق السمع دوي المدفع ، فتنظر إلى الظماء وقد وردوا الماء ، وإلى الجياع طافوا بالقصاع ، تجد أفواها تلتقم وحلوقا تلتهم وألوانا تبيد وبطونا تستزيد ولا تزال الصحائف ترفع وتوضع والأيدي تذهب وتعود وتدعو الأجواف قدني .. قدني ، وتصيح البطون قطني .. قطني ، ومع تعدد أصناف الطعام على مائدة الفطور في رمضان فإن الفول المدمس هو الصنف الأهم والأكثر ابتعاثا للشهية".
* صوم الجوارح:
وفي شهر الصيام ، تصوم الجوارح كلها عن معصية الله تعالى ، فتصوم العين بغضها عما حرم الله النظر إليه ، ويصوم اللسان عن الكذب والغيبة والنميمة ، وتصوم الأذن عن الإصغاء إلى ما نهى الله عنه ، ويصوم البطن عن تناول الحرام ، وتصوم اليد عن إيذاء الناس، والرجل تصوم عن المشي إلى الفساد فوق الأرض . وفي ذلك يقول أبو بكر عطية الأندلسي :
إذا لم يكن في السمع مني تصامم وفي مقلتي غض، وفي منطقي صمت
فحظي إذن من صومي الجوع والظما وإن قلت : إني صمت يوما فما صمت
ويقول الصابي في الذي يصوم عن الطعام فقط ويدعو إلى التخلي عن العيوب والآثام :
يا ذا الذي صام عن الطعام ليتك صمت عــن الظــلم
هل ينفع الصوم امرؤ طالما أحشاؤه مــلأى مــن الإثم
ويؤكد أحمد شوقي ذات المعنى فيقول :
يا مديم الصوم في الشهر الكريم صم عن الغيبة يوما والنمـيم
ويقول أيضا :
وصلِّ صلاة من يرجو ويخشى وقبل الصوم صم عن كل فحشا
ولقد ذم بعض الشعراء ذلك الصنف من الموسرين البخلاء في رمضان والذين لم يعودوا أنفسهم على الجود والكرم والعطاء ، وفي هذا يقول الشاعر علي الجارم الذي نزل ضيفا عند أحد البخلاء فهجاه بقوله :
أتى رمضـان غير أن سـراتنا يزيـدون صومـا تضيق به النفـس
يصومون صوم المسلمين نهاره وصوم النصارى حينما تغرب الشمس
منقول للامانه