موقف العبد بين يدي الله
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
للعبد بين يدي الله موقفان:
1- موقف بين يديه في الصلاة.
2- وموقف بين يديه يوم لقائه.
فمن قام بحق الموقف الأول هون عليه الموقف الاخر، ومن استهان بهذا الموقف و لم يوفه حقه شدّد عليه ذلك الموقف، قال تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ، إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً [الإنسان:26-27] [فوائد الفوائد لابن القيم الجوزية رحمه الله - ص:398].
فإليك أخي المسلم هذه النبذة المختصرة والتي تتعلق بقيام ليالي رمضان، جمعتها من كتب أهل العلم مبتغياَ بها وجه الله عز وجل والدار الآخرة، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت، واليه أنيب.
فضل قيام ليالي رمضان
قيام الليل سنة مستحبة، وهو من خصائص المتقين، قال تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ ، كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ، وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:15-18].
وقال النبى : { إن في الجنة غرفاَ يرى ظاهرها من باطنها و باطنها من ظاهرها، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، و أدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام } [صحيح الجامع].
ويتأكد استحبابه في رمضان، فعن أبي هريرة قال: كان رسول الله يرغب في قيام رمضان، فيقول: { من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه } [متفق عليه].
هدي رسول الله في قيام الليل
سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن صلاته في رمضان، فقالت: { ما كان رسول الله يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاًً } [متفق عليه]. و قال : { الوتر حق، فمن شاء فليوتر بخمس، ومن شاء فليوتر بثلاث، ومن شاء فليوتر بواحدة } [رواه الحاكم، وهو صحيح الإسناد].
القراءة فيه
لم يحد النبي في القراءة حداً لا يتعداه بزيادة أو نقص، بل كانت قراءته تختلف قصرا وطولاً، فكان تارة يقرأ في كل ركعة قدر يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [رواه أحمد، وأبو داود بسند صحيح] وتارة قدر خمسين آية، وكان يقول:{ من صلى في ليلة بمائة آية لم يكتب من الغافلين } [رواه احمد بسند صحيح]. وقرأ ليلة بالسبع الطوال [رواه أبو يعلى والحاكم وصححه ].
وعلى ذلك فإن صلى القائم لنفسه فليطول ما شاء، وكذلك إذا كان معه من يوافقه. وإذا صلى إماماً فعليه أن يطيل بما لا يشق على المأمومين لقول النبي : { إذا قام أحدكم للناس فليخفف الصلاة، فانّ فيهم الصغير والكبير، وفيهم الضعيف والمريض وذا الحاجة، وإذا قام وحده فليطول صلاته ما شاء } [متفق عليه].
مشروعية الجماعة في قيام رمضان
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى ذات ليلة في المسجد، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة، أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله ، فلما أصبح قال: { قد رأيت الذي صنعتم، ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم } وذلك في رمضان [متفق عليه].
وعن عبد الرحمن بن عبد القارئ أنه قال: خرجت مع عمر ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعمت البدعة هذه! والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون- يريد آخر الليل- وكان الناس يقومون أوله. [رواه الإمام مالك، و البخاري].
وقت القيام
وقت قيام الليل من بعد العشاء إلى الفجر، لقوله :{ إن الله زادكم صلاة وهي الوتر، فصلوها بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر } [رواه أحمد وهو صحيح].
الكيفيات التي تصلى بها صلاة الليل
أ- يصلى ثلاث عشرة ركعة، من ثمانية يسلم بين كل ركعتين، ثم يوتر بخمس لا يجلس ولا يسلم إلا من الخامسة. والحديث في[أبي داود، والنسائي، وابن ماجه، وهو صحيح].
ب- إحدى عشرة ركعة: يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة. [والحديث في صحيح البخاري ].
ج- إحدى عشرة ركعة: منها ثماني ركعات لا يقعد فيها إلا في الثامنة، يتشهد ويصلي على النبي ، ثم يقوم ولا يسلم، ثم يوتر بركعة ثم يسلم، فهذه تسع ثم يصلى ركعتين وهو جالس [والحديث في صحيح مسلم] [وللاستزادة انظر: زاد المعاد].
القراءة في وتر الثلاث
من السنة أن يقرأ في الركعة الأولى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ، وفي الثانية: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، وفي الثالثة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، ويضيف إليها أحياناً المعوذتين، ويقول بعد التسليم: ( سبحان الملك القدوس ثلاثاً ) ويرفع بها في الثالثة. [رواه النسائي وهو صحيح].
القنوت و موضعه
القنوت في الوتر مستحب، وليس بواجب، القنوت يكون في الركعة الأخيرة بعد القراءة، وقبل الركوع، وهذا الثابت من فعله صلوات الله وسلامه عليه غالباً، وكان أحياناً يقنت في الوتر بعد الركوع والله أعلم.
صفة دعاء القنوت
يدعو المصلي بهذا الدعاء: ( اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت فانك تقضي ولا يقضى عليك، وانه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت ). [أخرجه أبو داود، والنسائي بسند صحيح].
كما يشرع الزيادة في دعاء القنوت في النصف من رمضان بما ثبت في الأثر عن عبد الرحمن بن عبد القارئ: وكانوا يلعنون الكفرة في النصف الثاني من رمضان بقولهم:
( اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك، إله الحق).
ثم يصلي على النبي ، ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين. قال: كان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي ، واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات، ومسألته. قال:
(اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، واليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ربنا، ونخاف عذابك الجد، إن عذابك لمن عاديت ملحق)، ثم يكبر ويهوي ساجد. [رواه ابن خزيمة في صحيحه].
مسألة
هل لقيام الليل في رمضان وغيره حد محدود؟
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى: ( ليس في قيام رمضان حد محدود، لأن النبي لم يوقت لأمته في ذلك شيئاَ، وانما حثهم على قيام رمضان، ولم يحدد ذلك بركعات معدودة، ولما سئل عليه الصلاة والسلام عن قيام الليل قال: { صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة } [متفق عليه]، فدل ذلك على التوسعة في هذا الأمر، فمن أحب أن يصل عشرين ركعة ويوتر بثلاث فلا بأس، ومن أحب أن يصلى عشر ركعات ويوتر بثلاث فلا بأس، ومن زاد أو نقص فلا حرج عليه، والأفضل ما كان النبي يفعله غالباَ، لما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة.
وعلى هذا فالأمر في صلاة الليل موسع فيه بحمد الله، وليس فيها حد محدود، وهو من فضل الله ورحمته وتيسيره على عباده، وهذا يعم رمضان وغيره). انتهى بتصرف [فتاوى اللجنة:7/212].
نسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبل قيامنا إنه سميع قريب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.