الحمد لله الذي جعل شهر رمضان سيد الشهور، وضاعف فيه الحسنات والأجور،
أحمده سبحانه وأشكر إنه غفور شكور. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، شهادة أرجو بها الفوز بدار القرار والسرور، وأشهد أن سيدنا ونبينا
محمدا عبده ورسوله أشرف آمر ومأمور، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن
اقتفى أثرهم إلى يوم النشور.
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله.
بعد
أيام قلائل يبشر المؤمنون بإذن الله بشهر رمضان الذي يفتح الله فيه أبواب
الجنة، ويغلق أبواب النار، بشهر لا تحصى فضائله، ولا يحاط بفوائده، والأمة
بحاجة إلى هذا الموسم لينسلخوا منه بعد تمامه مجلوة قلوبهم، منورة بصائرهم،
قوية عزائمهم.
يستقبل رمضان بتهيئة القلوب، وتصفية النفوس، وتطهير
الأموال، والتفرغ من زحام الحياة، وأعظم مطلب في هذا الشهر إصلاح القلوب،
فالقلب الذي ما زال مقيما على المعصية يفوت خيرا عظيما، فرمضان هو شهر
القرآن، والقلوب هي أوعية القرآن ومستقر الإيمان، فكيف بوعاء لوث بالآثام؛
كيف يتأثر بالقرآن؟!
ويستقبل رمضان بتهيئة النفوس وتنقيتها من الضغائن
والأحقاد، التي خلخلت العرى، وأنهكت القوى، ومزقت المسلمين شر ممزق، فالذي
يطل عليه رمضان عاقا لوالديه، قاطعا لأرحامه، هاجرا لإخوانه، أفعاله قطيعة،
دوره في المجتمع النميمة، هيهات هيهات أن يستفيد من رمضان.
ومن حكم
رمضان أن يتفاعل المسلم مع إخوانه في شتى البقاع، ويتجاوب مع نداء الفقراء
والضعفاء، متجاوزا بمشاعره كل الفواصل، متسلقا بمبادئه كل الحواجز، يتألم
لآلامهم، يحزن لأحزانهم، يشعر بفقرائهم.
ويستقبل رمضان بتطهير الأموال
من الحرام، فما أفظعها من حسرة وندامة أن تلهج الألسن بالدعاء ولا استجابة،
وربنا يقول: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة ?لداع إذا دعان
[البقرة:186].