ماذا أعددت للرحيل ؟؟؟؟؟
بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من ولاه و بعد :
أخي:لكل مسافر زاد و أنت مسافر سفرا بعيدا فماذا أعددت ليوم الميعاد ؟؟
في كل يوم نشيع غاديا و رائحا ، نودعه في صدع من الأرض غير ممهد و لا موسد ، قد فارق الأحباب ، و خلع الثياب ، و سكن التراب ، و واجه الحساب ، غنيا عما خلف ، فقيرا إلى ماقدم. أو ليس في ذلك عبرة للمعتبرين ، و ذكرى للذاكرين !
أخي المسلم : لقد أوشك الرحيل ! و قرب الخطب الجليل ! فما للقلوب لا تخشع ! و ما للآذان لا تسمع ! و ما للعيون لا تدمع !
تفكّرْ أخي في الذين رحلوا أين نزلوا ؟ و ماذا سُئلوا ؟ و ماذا بقي للغني من غناه و للفقير من فقره ؟!
أين الجلود الرقيقة ، و الوجوه الحسنة ! و الأجساد الناعمة ! ماصنع بها الديدان تحت الأكفان ؟! أكلت اللسان ، وعفرت الوجوه ، و محت المحاسن ، و كسرت الفقار ، وبانت الأعضاء و مزقت الأشلاء .
أخي فما الذي غرّك بربك حتى نسيت لقاءه ؟! و ما الذي ألهاك عن ذكر الموت و القبر و ظلماءه ؟ أ و ليس غدا مثواك جوف قبر مظلم ؟! فماذا أعددت ؟ و هل استعددت ؟!
أتراك إذا جهزوك و حملوك فوق الأعناق تقول : قدّموني .. أم تخونك أعمالك فتقول : أين تذهبون بي .. ؟
فارحم نفسك يا عبد الله فعن أبي سعد الخذري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إذا و ضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم ، فإنْ كانت صالحة قالت:قدّموني،
و إن كانت غير صالحة قالت ن يا ويلها : أين تذهبون بها ؟ يسمع صوتها كل شيء إلاّ الإنسان ، و لو سمعها لصعق " [رواه البخاري ]
فرجوعا إلى الله ... قبل هجوم هادم اللذات ... و انقضاء العمر و الأوقات ! !
تصوّر مبيتك في القبر !
أخي : لا شك أنك جازم بحصول مماتك .. لأنّ الخلد في الدنيا مجال لا ينال !! فتصوّرْ نفسك و قد طرحوك في حفرة قبرك ! ثم ألقوا عليك اللحود و ردوا عليك التراب ، و صرت في أوّل لياليك في حفرة الحساب ! .. فكيف سيكون الجواب ! لقد تخلى عنك الأهل و الأحباب ، و العشيرة و الأصحاب ! .. و تركت وراءك كنزك ز مالك و لم يعد ينفعك إلاّ ما قدمت من عمل !
فعن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:"يتبع الميت ثلاثة: هلخ و ماله و عمله،فيرجع اثنان و يبقى واحد:يرجع أهله و ماله،و يبقى عمله" [رواه البخاري و مسلم ] .
ماذا عساك تفعل إذا جاءك الملكان .. فأجلساك .. و انتهراك .. و سألاك .. من ربك ؟ و ما دينك ؟ قد تستطيع الإجابة الآن .. و لكن في تلك الحفرة .. في ذلك القبر..
في ذلك الظلام .. ستكون الإجابة بقدر الأعمال و صلاحها .. فأما المؤمن صاحب العمل الصالح فيقول : ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد صلى الله عليه و سلم ، و أما المنافق فيقول هاه .. هاه .. لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته .
فتذكّرْ يا عبد الله " فإنّما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار " [ رواه الترمذي ]
و اعلم يا عبد الله أنّ الله جلّ و علا قد أمهلك بالأوقات ما يكفيك للتوبة و الرجوع لقوله تعالى : " أولم نعمّركم ما يتذكّرفيه من يتذكّر و جاءكم النّذير " [ فاطر 37 ] و قد فسر النذير في الآية بالشيب و فسر أيضا بأنه النبي صلى الله عليه و سلم .
فقد أعذر من أنذر ، و ذكّر من أخبر ، و ما ظلم من أخّر ، فعن أبي هريرة رصي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أعذر الله امرئ أخّر أجله حتى بلغ ستين سنة " [ رواه البخاري ] . قال العلماء : معناه : لم يترك له عذرا إذا أمهله هذه المدة. يقال أعذر الرجل : إذا بلغ الغاية في العذر .
أخي : أنت اليوم تسكن ظهر الأرض .. و غذا ستسكن بطنها ، فهلا زيّنت مسكنك بصالح الأعمال ، و هلا فرشته وغرست بستانه بأداء ما افترض الله عليك و اجتناب ما حرّم عليك .. فإنْ كنت موقنا بأنّ بطن الأرض لك سكن في القريب فمن الحماقة أن تغفل عن الاستعداد لها !!!
كيف تستعدّ للموت ؟ !
فتنبه أخي و اجعل لنفسك منها واعظا ، و كن للموت متيقظا ، و أحسنْ استعدادك له بحسن الطاعة ، و ردّ المظالم إلى أهلها ، و قضاء الديون ، و تقييد الوصية قال الحسن :
" إنّ الرجل ليتعلق بالرجل يوم القيامة فيقول : بيني و بينك الله ! فيقول : و الله ما أعرفك ، فيقول : أنت أخذت طينة من حائطي ، و آخر يقول : أنت أخذت خيطا من ثوبي
فهذا و أمثاله قطع قلوب الخائفين .
و قال ابراهيم التميمي : شيئان قطعا عني لذة الدنيا ، ذكر الموت ، و ذكر الموقف بين يدي الله .
و من الأمور التي تعين على توطين النفس للرحيل كثرة ذكر الموت ، و ذلك بتفريغ القلب عن كل شيء إلاّ عن ذكر الموت ، كالذي يريد السفر إلى مفازة خطرة أو يركب البحر فإنه لا يفكر إلا فيه .
دخل الحسن البصري على مريض يعوده فوجده في سكرات الموت ، فنظر إلى كربه ، و شدة ما نزل به ، فرجع إلى أهله بغير اللون الذي خرج به من عندهم ،فقالوا له : الطعام يرحمك الله فقال : يا أهلاه عليكم بطعامكم و شرابكم ، فوالله لقد رأيت مصرعا لا أزال أعمل له حتى ألقاه .
و قال بعضهم : دخلنا على عطاء السلمي نعوده في مرضه الذي مات فيه ، فقلنا له : كيف ترى حالك ؟ فقال : الموت في عنقي ، و القبر بين يدي ، و القيامة موقفي ، و جسر جهنم طريقي .. و لا أدري ما يفعل بي .. ثم بكى بكاءً شديدا .. حتى غشي عليه ، فلما أفاق ، قال : اللهمّ ارحمني و ارحم وحشتي في القبر ، و مصرعي عند الموت و ارحمْ مقامي بين يديك يا أرحمْ الراحمين !
أخي لا يبغتنك الموت و أنت لاه
في غمرات الغفلة و الشهوات ، و اغتنم فراغك و صحتك قبل الفوات ، و كن بفرائض الله قوّاما ، و بادرْ إلى الاستكثار من الخير و الفضل ، فإن الحسنات يذهبن السيئات .
أخي : لقد حرك الداعي إلى الله و إلى دار السلام النفوس الأبية ، و الهمم العالية ، و أسمع منادي الإيمان من كانت له أذن واعية ، و أسمع الله من كان حيا فهزه السماع إلى منازل الأبرار و حدا به في طريق سيره فما حطّت به رحاله إلاّ بدار القرار . قال الله تعالى : " يوم كلّ نفس تجادل عن نفسها و تُوقى كل نفس ما عملت و هم لا يُظْلَمُونَ"
[ النحل 111 ]
فهذه صيحة نذير ! .. فهل من مستجيب !!